فلسطين أون لاين

في متاهة الكهف

...

د. زهرة خدرج

كاتبة وروائية فلسطينية

هربتُ، ووقف أمجد يرقب الثعبان بهدوء عجيب ويناديني قائلًا: لا تخف يا رجل.. تعال وانظر، هذا عربيد.. العربيد لا يلدغ مثل بقية الأفاعي، إنه يعيش على ابتلاع الحيوانات الصغيرة مثل الفئران وصغار الأرانب وفراخ الطيور.

وقفنا أمام الفوهة، نظرت للداخل.. كانت العناكب قد بنت شبكات ضخمة بين الصخور شكَّلت حاجزًا، بالرغم من هشاشته إلا أني لم أجرؤ على اقتحامه، تناول أمجد عودًا طويلًا من الخشب، أزال به شبكات العنكبوت.. تقدمنا بحذر للأمام وببطءٍ حتى لا تنزلق أقدامنا.. وسرعان ما أصبح المكان شديد العتمة في الداخل، عجزت عن الرؤية في البداية.. ثم أخذت عيناي تعتادان الرؤية في العتمة. 

كل ما حولنا كان صخور بيضاء ناتئة، مشيت خلف أمجد بين الممرات الصخرية، وكلما تقدمنا إلى الأمام ازداد الظلام حلكة.

وفجأة.. سمعت أصوات أجنحة تصفق بقوة وأشياء سوداء تتدافع فوق رؤوسنا.. صرخت بقوة والتصقت بالجدار الصخري.. رددت الجدران صدى صرختي. تراجع أمجد إلى الوراء وأمسك بيدي قائلًا: لا تخف يا صديقي.. هذا سربٌ من الخفافيش.. أثاره دخولنا إلى مسكنه.

قلت: أمجد.. لا أستطيع أن أتقدم أكثر من ذلك.. المكان هنا شديد الظلام، أنا خائف، وكيف سنتقدم ونرى الكتابة القديمة على الجدران وليس معنا شيء يُمكِّننا من ذلك؟

قال أمجد: اطمئن.. معي مصباح يدوي!

أخرج أمجد المصباح من جيبه وأناره.. وكانت المفاجأة..

الطريق أمامنا متفرِّعٌ إلى ممرات عدة ضيقة معتمة انتشرت بين الصخور.. قلت لأمجد: الممرات كثيرة وتبدو مخيفة، أي نفق منها علينا أن نسلكه لنصل إلى النقوش؟ 

قال أمجد: الأوسط، الأنفاق الأخرى لست متأكدًا إلى أين تصل! 

انحنى أمجد قليلًا وأدخل جسده في فوهة النفق الأوسط تبعتهُ بصمت تملؤني الإثارة. مشينا قليلًا داخل الممر الصخري.. حين توقفتُ وقلتُ بحماسة: أمجد توقف.. أعطني المصباح..

قال أمجد: ماذا هناك؟

وجهت الضوء على سقف النفق، وقلت لأمجد: انظر إلى النقوش!

قال أمجد: يا إلهي! لم يتحدث أحد من أهل القرية عن هذه النقوش.. يبدو أنك أول منْ اكتشفها! هنيئًا لك!

قلت: انظر إلى هذا النقش! ماذا يعني؟

قال: وكأنه خارطة تشير إلى شيء ما! دعنا نرى إلى أين تتجه الأسهم!

تتبَّعنا مسار الأسهم بين النقوش.. تنقلت من ممر إلى آخر ومن تفرُّعٍ ملتوي إلى تفرع أكثر التواءً منه.. حتى وصل إلى ساحة واسعة ظهر في نهايتها نقوش ورسوم لأفاعٍ كثيرة مُمدَّدة، برع الرَّسام في جعل عيونها لامعة بشكل ملفت للانتباه.. صرختُ قائلًا: انظر أمجد.. يوجد هنا أفاعي.. أفاعي بعيون لامعة.. شيء مخيف.. يا إلهي.. أنا لم آتِ لتلدغني الأفاعي وأموت هنا دون أن يعلم أحد عني شيئًا!

قال أمجد مفكرًا: لا تخف يا صديقي.. أظن أن هذه الأفاعي ليست حقيقية، أُرجِّح أنها من الذهب والمجوهرات، انظر هنا إلى صور البشر المنقوشة! إنهم يلبسون أفاعي على أيديهم وأعناقهم.. لا بد وأنها نوعٌ من الزينة، وهذا معناه أننا على وشك العثور على كنز داخل هذا الكهف! 

قلت مرتجفًا: قد تكون محقًا.. إذن: أولًا علينا أن نحفظ مسار السهم جيدًا، وثانيًا: علينا أن نمضي في طريقنا بانتباه شديد وحذر فلا ندع شيئًا يمر أمامنا دون أن نفكر به وفي معناه. 

قال أمجد: اتفقنا.. هيا بنا! 

مشينا مسافة طويلة داخل أنفاق معوجَّة يفضي كل واحد منها إلى آخر أكثر اعوجاجًا من سابقه.. حتى بدا النفق وكأنه يستدير حوله نفسه بما يشبه بيت الحلزون وكلما تقدمنا للأمام كان النفق يضيق أكثر فأكثر لدرجة أنه أصبح من الصَّعب علينا حشو أنفسنا في منطقة ظهرت وكأنها نهاية النفق، وظهر في منتصفها فجوة ضيقة مظلمة غلب لدينا الظن أنها نهاية هذا النفق العجيب.