فلسطين أون لاين

​شعارها "لا مستحيل"

هنادي رضوان.. كفيفة "الفجأة" حققت الامتياز

...
هنادي رضوان
غزة - هدى الدلو

هل تخيلت يومًا أن تنام وتستيقظ فتفتح عينيك فلا ترى إلا اللون الأسود؟ إنه شعور صعب لا يمكن تخيله أو حتى التفكير فيه، ولكن هذا ما حدث مع "هنادي"، فقد استيقظت من نومها ولم تستطع أن ترى النور المنبعث من نافذتها كل صباح، وابتسامة والدتها، ووجه والدها، أو حتى رؤية ملامحهم المصدومة بعدما أخبرتهم أنها لا ترى شيئًا أمامها، وبسلاح الإرادة والعزيمة والإصرار على الوصول استطاعت أن تبدأ حياة جديدة لم تعهدها من قبل، وانتقلت من عالم البصر إلى عالم النور، لتسطر حكاية مختصرة لتخرجها من الجامعة بمعدل "امتياز".

هنادي إياد رضوان (23 عامًا) من سكان مدينة غزة، احتفلت بتخرجها قبل أيام من كلية الآداب قسم الخدمة الاجتماعية في الجامعة الإسلامية.

حياة جديدة

لعله قدر الله بأن تختار أن تكمل تعليمها بعد حصولها في الثانوية العامة على معدل 67%، في قسم الخدمة الاجتماعية، فلم تدخل في دوامة الحيرة والتردد، بل اختارته رغبةً بإنسانية التخصص الذي سيلقي ظلاله على نفسها وشخصيتها، ومن ثم المحيطين بها.

وقالت: "على عكس الكثير من الطلبة الجامعيين لم أواجه صعوبات في بداية التحاقي في الجامعة، فقد كنتُ متأقلمة على جوِّها بحكم اطلاعي على طبيعة التخصص من قريبات لي، واخترته عن حب واقتناع".

وكانت قد أمضت عامها الأول والثاني في الجامعة بتقدير "جيد جدًا" رغم أنها كانت تبذل كل ما بوسعها أملًا في حصولها على تقدير "ممتاز" وشعرت حينها أنه صعب المنال، وفي يومٍ من أيام العطلة الصيفية، ذلك اليوم المشؤوم الأسود كما رأته في عينيها، استيقظت رضوان من نومها صباحًا، ولكنها لم ترَ شيئًا، صرخت بأعلى صوتي: "لا أرى شيئًا أمامي"، حالة من الصدمة والذعر والذهول، فأيدي والديها أصبحت تلوح أمامها من قريب وبعيد، ولكنه لا فائدة، والصورة السوداء ذاتها.

دخلت على إثر ذلك في دوامة الرحلة العلاجية، والسفر لتلقي العلاج ما بين مصر ورام الله والقدس وغزة، وأجريت لها عدة علميات جراحية، وكان التشخيص الوحيد للأطباء هو حدوث انفصال في الشبكية دون أي سبب للحادثة، وبعد كل عملية جراحية كانت تفقد الأمل بعودة بصرها، ويزداد وضعها الصحي سوءًا.

وفي كل مرة كان ينطق لسانها: "الحمد لله على ما أصابني، فهو كرمٌ من عند الله"، وعندما أخبرها الطبيب بعدم وجود أمل بعودة بصرها، في هذه اللحظة بالتحديد شعرت وكأن أحلامها كلها نُسفت بضغطة زر، "أو أنها نُثرت ليقولوا لي اذهبي وابحثي عن أحلامك بين أكوام القش"، مشيرة إلى أن الصدمة كانت كبيرة لأهلها والمحيطين بها، وقد كانوا أكثر صدمة منها.

وتابعت رضوان حديثها: "سفري المتكرر والعمليات الجراحية الفجائية اضطررت لأجلها تأجيل عام دراسي كامل، خوفًا من أن يصادف موعد عمليتي الجراحية مع امتحان جامعي"، وقرار العودة إلى الجامعة لم يكن بالسهل أبدًا لعدة أمور، كلام بعض المحيطين بها، أنها لن تتمكن من إكمال دراستها، فلتجلس في البيت دون أن ترهق نفسها، وستعود للتعرف على زميلات جديدات بعد أن تقدمن عليها زميلاتها بعام دراسي، فستعيش الجو الجامعي من جديد وبحالة جديدة.

فقد كن صديقات فعلًا وقت الضيق، فلم يتركنها في محنتها، فقد كن قبل ذهابهن إلى محاضراتهن، يوصلنها إلى قاعة محاضرتها ويحسبن لها بالساعة والدقيقة موعد انتهائها ليذهبوا لها، كما أنهن أصررن عليها أن تسجل مساق مناهج بحث ليشتركن معها في بحث التخرج، فكن على يقين بأنها تشعر معهن بالأمان، وتضيف: "فقد زادت درجة اهتمامهن وحبهن لي أكثر من قبل".

وتتحدث رضوان عن أن اختيارها لتخصص الخدمة الاجتماعية أفادها وساعدها في ما آل إليها وضعها الصحي، كما أنها قبل فقدها البصر، كانت في ساعة الفراغ الجامعي تتوجه لمركز خدمات الإعاقة الموجود في الجامعة والتابع لمركز خدمة التعليم المستمر، وهو متخصص بذوي الإعاقة البصرية تساعدهم في طباعة الكتب الجامعية بلغة "برايل".

وأوضحت أنه سهل عليها فيما بعد الاندماج مع شريحة ذوي الإعاقة البصرية، وأصبحت أكثر جرأة، وتغيرت شخصيتها للأفضل، تستطيع المواجهة، وقبلت التحدي مع المحبطين الذين شككوا في قدرتها على إكمال مسيرتها التعليمية وقدمت كل ما هو مطلوب منها من عمل أبحاث وتقارير، وتدريب ميداني، وتخرجت بـ"امتياز".

فلم تيأس رغم تعثرها مرات عدة أثناء ذهابها للجامعة، وأيقنت أن الصعب سيمر، وأوقات الألم سيعقبها فرج وفرح، فلا حياة دون عقبات، فقد حاولت تعلم طريقة "برايل" أثناء دراستها الجامعية، ولكنها فشلت في تعلمها، فما كان منها بمساعدة والدتها إلا الدراسة عن طريق التسجيلات الصوتية، فكانت تحضر لوالدتها الكتاب الجامعي وتشرع بتسجيله لها من بداية الفصل الدراسي، أو تسهر معها ليلة الامتحان تقرأ وهنادي تصغي بكامل حواسها وتركيزها.

وتختم رضوان حديثها: "نهاية حكايتي أنه لا يوجد شيء مستحيل، ولا يوجد ظروف، فكل ما في الأمر يحتاج إلى إنسان صاحب إرادة وقرار وتوكل على الله"، وتطمح أن تكمل دراسات عليا، وتوصل للناس فكرة الأخصائي الاجتماعي "الإنسان".