تذوّق الإسرائيليون مرارة الهزيمة، فليس هيناً على مجتمع متغطرس أن ينكسر أمام شعب أعزل، وليس سهلاً على قيادة إسرائيلية متطرفة طي قرارتها الاستراتيجية لمجرد زمجرة أهل القدس، وليس مستوعباً من قادة اليمين المتعصب في إسرائيل أن تكون الهزيمة في مدينة القدس، والتي تعتبر نقطة التوافق والإجماع والأطماع الصهيونية.
لقد صدق وزير التعليم نفتالي بينت حين قال: إزالة البوابات عن المسجد الأقصى تضاهي هروبنا من لبنان، وصدق مفتى القدس الشيخ محمد حسين وهو يتحدى القرارات الصهيونية، فحمله شباب القدس على الأكتاف حتى بيته في جبل المكبر، وهم يكبرون فرحاً بالنصر.
وبمقدار المرارة في حلوق الإسرائيليين كانت حلاوة النصر على شفاه الفلسطينيين، وهم يهمسون: لقد صار أهل القدس شركاء أهل غزة في صناعة الانتصار، وإذا كان نصر غزة قد تحقق بقوة السلاح، وعنفوان المقاومة، فإن نصر القدس قد تحقق بقوة الانتفاضة الشعبية، والمقاومة السلمية، والمهزوم في المعركتين عدو واحد، أجبرته المقاومة المسلحة على تفكيك مستوطناته في غزة سنة 2005، وتجبره اليوم المقاومة الشعبية على تفكيك قراراته السياسية العنصرية.
انتصار غزة عن طريق المقاومة المسلحة، وانتصار القدس عن طريق الانتفاضة الشعبية والمواجهات الجماهيرية يؤكدان أن المعركة الفلسطينية ضد الإسرائيليين لها شقان، شق عسكري وشق جماهيري، والجمع بين الشقين يتناسب والمعركة المفتوحة ضد الاستيطان والاحتلال في الضفة الغربية، وهي تلبس زينتها، وتتهيأ لتصنع نصرها الكبير في المرحلة القادمة.
لقد تأكد للجميع أن الانكسار الإسرائيلي هو التئام للجرح الفلسطيني، وكل هزيمة للقرار الإسرائيلي هو نصر للإرادة الفلسطينية، لقد انهزمت إسرائيل في معركة القدس، وتراجعت إلى الخلف خطوات في مخططها لتهويد المقدسات الإسلامية والمسيحية، لأن ردة الفعل الفلسطينية في بيت المقدس فاجأت المتطرفين، وكسرت أوهامهم في السيطرة على المسجد الأقصى.
ولما كانت الهزيمة يتيمة، لا أب لها، فإن للنصر ألف أب، لذلك نطق الصامتون حين انتصرت القدس، وتحرك الساكنون حين انتصرت القدس، ورفع شارة النصر كل أولئك المهزومين، وهذا خير دليل على النصر الذي حاول الكثير أن ينسبه إلى جهده، أو أن يدعي المشاركة فيه، هو نصر قد صنعته الجماهير الغاضبة في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، وفي العواصم العربية والإسلامية التي تحركت لنصرة القدس، وتعانقت بمواقفها مع أرواح الشهداء الذين زرعوا العزم في نفوس المرابطين على بوابات الأقصى، فصاروا قادة ميدانيين، أسهموا في صناعة الملحمة البطولية التي رسمت معالم المرحلة القادمة من الانتصار الفلسطيني والانكسار الإسرائيلي.