فلسطين أون لاين

تقرير رفيق العياش.. 28 عاما على استشهاد مؤسس "القسام" في شمال الضفة علي عاصي

...

توافق اليوم الذكرى السنوية الثامنة والعشرين على استشهاد مؤسس كتائب الشهيد عزالدين القسام في شمال الضفة الغربية الشهيد علي عثمان عاصي، والذي ارتقى في اشتباكٍ مسلح مع قوات الاحتلال في أثناء محاصرة منزل كان يتواجد فيه مع رفيقي دربه بشار العامودي والمهندس يحيى عياش في 11 تموز/ يوليو 1994.

ولد الشهيد المجاهد القسامي علي عاصي في أسرة متدينة محافظة في "قراوة بني حسان" قضاء سلفيت عام 1964م، وأنهى دراسته الابتدائية في مدرسة بلدته ثم انتقل إلى مدرسة "بديا الثانوية" و أكمل فيها المرحلة الإعدادية و الثانوية.

كان عاصي محباً للأرض يعمل فيها ليل نهار، وكان جلداً يتحمل و يقوى على الأشغال الصعبة كحراثة الأرض وغيرها، وبسبب ظروف الحياة وصعوبتها لم يكمل الشهيد دراسته الجامعية والتحق بالعمل الحر في مجال البناء.

ونظرا لأن المغتصبات كانت تأكل يوما بعد يوم المزيد من أراضي بلدته، فكان دائما ينظر إلى المغتصبات التي تحيط ببلدته كالسوار للمعصم على أنها صخرة على صدره، لذلك كان يبحث عمن يساعده على مقاومة ذلك الاحتلال، وما أن اندلعت الانتفاضة المباركة في العام 1987 حتى كان من أوائل من شارك في فعالياتها، فكان ممن زادوها اشتعالاً فأخذ يقاوم قوات الجيش الصهيوني و يتصدى لها بصدره العاري المليء بالإيمان، فكان ينصب الكمائن للمغتصبين ويلقي الحجارة على سياراتهم.

المشاركة في الأفكار والخطط

ما أن اشتدت الانتفاضة المباركة بانطلاق حركة المقاومة الإسلامية "حماس" حتى كان الشهيد علي عاصي من أوائل من التحق بركب الحركة الإسلامية فكان مثالاً للانضباط والالتزام ينفذ كل ما يطلب منه، وكان يقترح ويشارك بالأفكار والخطط، فبقي الشهيد على ذلك حتى جاءت ضربة الحركة عام 1990م، حيث تم اعتقال الكثير من قيادات وكوادر العمل الجهادي على يدي القوات الصهيونية.

بعد هذه الضربة التي لحقت بالحركة كان لزاماً على الشهيد علي عاصي أن يأخذ جزءًا من العبء الإداري الشاغر في الحركة، لذلك ارتقى الشهيد في السلم التنظيمي للحركة، وأصبح عضواً في الهيئة الإدارية لقرى غربي نابلس أي ما يقارب الخمسين قرية، فكان -رحمه الله- يتنقل بين القرى و المدن لتلبية واجبات ومطالب الحركة في أماكن تواجدهم، ورغم مشاغله الإدارية إلا أن حبه للعمل العسكري وشغفه به رغبة في نيل الشهادة وشعبه الحرية والاستقلال.

كان شهيدنا القسامي يبحث دائما عن كل ما يثخن في العدو الصهيوني وإخراج الانتفاضة من طابعها التقليدي باقتصارها على رمي الحجارة، فأخذ يفكر بتطوير العمل إلى تشكيل خلايا عسكرية للحركة بعد أن كتائب الشهيد عز الدين القسام قد ظهرت في قطاع غزة في بداية انطلاقتها.

فأخذ الشهيد ومعه مجموعة من إخوانه القادة: زاهر جبارين و عدنان مرعي و يحيى عياش، على عاتقهم تشكيل الجهاز العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس في شمال الضفة الغربية، فكان النواة الصلبة من هؤلاء، حيث جعلوا من قراوة بني حسان مقراً للتخطيط و الانطلاق، فعمل بسرية وكتمان في إطار الجهاز العسكري، ولكنه بقي يقاوم الجنود الصهاينة الذين يقتحمون القرية، حيث أصيب مرتان مرة في رأسه فسلمه الله ومرة بفخذه برصاص حي، وأجريت له عملية و تم إخراج الرصاصة.

أول محاولة اعتقال

في ليلة 14/12/1992م كانت أول محاولة لاعتقال للشهيد القسامي المجاهد، حينما حضرت قوات كبيرة من جيش الاحتلال إلى بيت الشهيد وبيت شقيقه محمود عاصي، إلا أن الشهيد رحمه الله استطاع الإفلات من بين يدي القوات الصهيونية لتعتقل بدلًا منه شقيقه أبو علاء.

ليصبح بعدها مطلوباً أما شقيقه محمود فكان من بين الـ315 فلسطينيًا الذين أبعدوا إلى "مرج الزهور"، فأصبح لعائلتهما مبعد ومطلوب للقوات الصهيونية، وبعد ثلاثة أشهر من المطاردة والملاحقة الحثيثة، تمكنت القوات الصهيونية من اعتقال المجاهد علي عاصي وأخضعوه لتحقيق قاسٍ لمدة شهرين في "سجن نابلس المركزي".

ومع أن الشهيد القسامي المجاهد علي عاصي كان يحمل كنزاً من المعلومات التي تبحث عنها القوات الصهيونية عن خلايا القسام إلا أنه لم يدلِ بكلمة واحدة، ليخرج بعدها منتصراً على محققيه ولم يطل خروجه من السجن ليلتحق مجدداً في صفوف المطاردين، بعد أن وضعته القوات الصهيونية ومخابراتها على قوائمهم، بعد أن قامت باعتقال أحد أفراد الكتائب وأخضع لتحقيق قاسٍ لتكتمل الحملة باعتقال أحد ركائز الجهاز المجاهدين: زاهر جبارين و سلامة مرعي، فما كان من الشهيد علي رحمه الله إلا أن ودّع أهله، وحمل سلاحه وخرج ليصبح مطاردا لقوات الاحتلال الصهيوني.

وكانت البداية الساخنة للمجاهد القسامي علي عاصي، من خلال عملية الرد على إبعاد قيادات حركة حماس إلى مرج الزهور، والتي نفّذها الاستشهادي الأول في كتائب القسام ساهر تمام بتاريخ 16 نيسان/ إبريل 1993، فأوقعت عدداً من القتلى والجرحى في صفوف جنود الاحتلال، بعد تفجير سيارته المفخخة وسط باصين محملين بالجنود.

رفيق المهندس يحيى عياش

كان الشهيد هادئا يعمل بحكمة وتخطيط ودراسة دقيقة لكل تحركاته، ويؤكد مرافقوه أنه كان مخلصاً محباً لإخوانه يدعو لهم بأن يحفظهم الله، كل هذا المزايا جعلته أقرب المقربين للمهندس المعلم في كتائب القسام الشهيد القائد يحيى عياش، وملازما له ولم يتركه طيلة مطاردته حتى لقي ربه رحمه الله.

وكان دائما يقول عن الشهيد المهندس: "لو علمت حماس ما بجعبة هذا الرجل من طاقات و إبداعات لجعلت له بيتا من الزجاج، ولأدخلت له الطعام والشراب بعد فحص"، لما لهذا الرجل من أهمية، و لكن هذا هو قدر المجاهدين في سبيل الله لهم ساحات الوغى، فكانوا فيها أسوداً.

وبالرغم من مهارات الشهيد القائد علي العاصي الإدارية إلا انه لم يكن يدع فرصة للمشاركة الميدانية في الطلعات الجهادية والعمليات القسامية إلا ويشارك بها، فقد شارك بالعملية الجريئة على حاجز "دير بلوط" البطولية والتي كان حصيلتها مقتل جنديين وجرح ثالث واستشهاد القائد القسامي "عدنان مرعي" وإصابة المجاهد السائق محمد ريان من قرية "بيت لقيا".

واستطاع المجاهد علي عاصي والمجاهد المعتقل أشرف الواوي الانسحاب من الموقع برعاية الله وحفظه بعد ثلاثة أيام من اختبائه في كومة للحطب قرب موقع الحاجز الصهيوني، ليصل إلى القاعدة التي انتقل منها بلدة "قبيا" حيث ينتظره هناك المجاهد الشهيد يحيى عياش و المجاهد الشهيد سليمان زيدان.

وفي عملية مفرق "قراوة بني حسان" التي شاركه فيها المجاهد المهندس يحيى عياش قتلا فيها مستوطنة وجرحا زوجها وعلى إثرها قامت القوات الصهيونية بحملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من المساعدين للمطاردين القساميين.

ولكن الشهيد كان يمتاز بالقدرة الفائقة والسرعة في تجنيد عناصر جدد للجهاز العسكري وقد استطاع -رحمه الله- من إعادة بناء الجهاز بعد كل ضربة يتعرض لها، حيث تعرف على المجاهد بشار العامودي من مدينة نابلس وعمل معه في منطقة الشمال وبالذات في مدينة نابلس، وعمل الشهيد علي عاصي مع القائد صلاح الدين دروزة حيث اعتقل الشهيد صلاح الدين دروزة على خلفية علاقته بالشهيد المهندس والشهيد علي عاصي و حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات.

موعد الشهادة

حاصرت قوات الاحتلال منزلًا في حي الياسمينة، كان يتواجد فيه القادة القساميين الثلاثة، يحيى عياش وعلي عاصي وبشار العامودي، وطلب قائد الوحدات الصهيونية عبر مكبرات الصوت المجاهدين الثلاثة بالاستسلام، فردوا بوابل من نيران الأسلحة الأوتوماتيكية.

وكانت الخطة أن يغطي المجاهدان العامودي وعاصي على انسحاب المهندس عياش، فاشتبك المجاهدان مع القوات المهاجمة التي حاولت اقتحام المنزل في معركة ضارية استمرت ساعات عدة، وقُتل ضابط صهيوني على الأقل وأصيب آخرون بجروح متفاوتة.

واستثمر المجاهدون فترة الهدوء وإعادة تجميع قوات الاحتلال بالتغطية على مغادرة المهندس يحيى للمنزل، فانسحب عياش بإصرار من أخويه علي وبشار، لعلمهما بحاجة المجاهدين لهذه الكفاءة العلمية المبدعة.

وبدون سابق إنذار، قصفت قوات الاحتلال الطابق الثاني من المنزل المحاصر، والذي يتحصن فيه علي وبشار، ثم قامت وحدات خاصة بإمطار المكان بوابل من الرصاص، ما أدى إلى استشهاد علي عاصي وبشار العامودي، ولقيا ربهما صائمين.

المصدر / فلسطين أون لاين