تشكل زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إلى الجزائر على رأس وفد يمثل قيادة الحركة بدعوة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون للمشاركة في الاحتفالات الستين لعيد الاستقلال الجزائري خطوة مهمة على صعيد تعزيز العلاقات الإقليمية للمقاومة الفلسطينية في ظل الحصار السياسي الذي تفرضه عليها منذ سنوات طويلة عدد من الأنظمة العربية التابعة للمحور الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة العربية.
تعزيز العلاقات السياسية والدبلوماسية للمقاومة الفلسطينية مع الجزائر يلقى ارتياحًا لدى الغالبية العظمى من الشعبين الفلسطيني والجزائري فحالة التحرر الجزائري تشبه إلى حد كبير الحالة الفلسطينية من ناحية طول مدة الاحتلال، وقسوة المحتل وجبروته، وعِظَم التضحيات التي قدمها الشعبان الجزائري والفلسطيني في مسار التحرر والانفكاك من الاحتلال الغربي للأرض وللهوية العربية.
وبالنظر إلى دلالات هذه الزيارة على صعيد الطرفين الفلسطيني والجزائري نجد أن الجزائر التي تعد دعم فلسطين من الثوابت في السياسة الجزائرية تسعى إلى إحداث مقاربات فلسطينية داخلية باتجاه ملف المصالحة الفلسطينية، ورغم إدراكها لعمق الانقسام الفلسطيني فإنها ما زالت تحاول تقريب وجهات النظر الفلسطينية لعلها تنجح فيما فشلت فيه القاهرة من قبل، وتقدم إنجازًا سياسيًّا بين يدي القمة العربية التي سيتم عقدها على مستوى الزعماء العرب مطلع نوفمبر المقبل في الجزائر.
وبالنظر إلى تاريخ الجزائر الداعم للقضية الفلسطينية، ورفضها التطبيع العربي مع الاحتلال، فإننا نتوقع أن تسعى الجزائر لتعزيز علاقتها مع القوى الفلسطينية المناهضة للتطبيع، وفي مقدمتها حركة حماس، وهذا يتطلب من حماس العمل على استثمار الدعم الجزائري في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني ولا سيما على صعيد حث الإخوة في الجزائر على مضاعفة جهودهم لتقديم الدعم المالي للشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، وإعلاء الصوت الداعم لفلسطين في المحافل الدولية، وتشكيل تكتل عربي إسلامي يدعم بما أوتي من قوة ومال عروبة وإسلامية مدينة القدس المحتلة، ويواجه التمدد الإسرائيلي في المنطقة العربية عبر بوابة التطبيع مع الاحتلال.
وعلى صعيد حركة حماس المحاصَرة من نظم التطبيع العربي مع الاحتلال فهي تحاول جاهدةً جسر الهوّة السياسية بينها وبين بعض النظم المعادية للمقاومة الفلسطينية، وتسعى إلى تعزيز علاقاتها الإقليمية في المنطقة، ولا شك أن استضافة وفدها القيادي برئاسة هنية، ومعاملته معاملة الزعماء العرب، من ناحية الاستقبال والجلوس على منصة الرؤساء في أثناء العرض العسكري الجزائري، إنما يعبر عن تقدم يُسَجّل للحركة في ملف العلاقات العربية، وإنجاز سياسي للمقاومة الفلسطينية على صعيد التمثيل الفلسطيني.
من ناحية أخرى فإن التقاء رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية برئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس برعاية جزائرية وإن كان لقاءً بروتوكوليًّا إكرامًا للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وللأشقاء الجزائريين فإنه يعبر أيضًا عن مصداقية حماس وتأكيدًا لرغبتها المعلَنة بطي صفحة الانقسام، وقبولها كل الوساطات التي توحد الفلسطينيين رغم قناعتها برفض عباس أي شراكة سياسية مع أي طرف فلسطيني يرفض نهج المفاوضات والتسوية العقيم الذي ثبت على مدار ربع قرن من الزمن فشله في دحر الاحتلال، أو تحرير الأسرى، أو إلزام المحتل بمنح الشعب الفلسطيني أي حقوق سياسية.
وبالنظر إلى الإنجاز الإعلامي لزيارة هنية للجزائر الذي تمثل في إبراز القضية الفلسطينية والحضور الإعلامي للمقاومة الفلسطينية التي تلقى تأييدًا واسعًا بين الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج فإننا نرى أن حركة حماس يجب عليها تعزيز هذا الحضور من خلال مخاطبة الشعوب العربية، ولا سيما الشعب الجزائري عبر جميع الوسائل والأدوات، كما يجب عليها مضاعفة الجهود للتواصل مع الشخصيات المؤثرة الداعمة للقدس وفلسطين فالقضية الفلسطينية هي القلب النابض لكل القضايا العربية.
وسياسيًا فإن حماس الحريصة على بناء علاقات سياسية قوية ومتوازنة مع جميع الأطراف في المنطقة العربية تقع عليها مسؤولية استعادة ما دمرته السياسات البائسة لقيادة السلطة الفلسطينية من علاقات دبلوماسية، فالفشل الدبلوماسي لقيادة السلطة الذي يحصد الشعب الفلسطيني ثماره اليوم عبر التمدد الإسرائيلي في المنطقة من خلال التطبيع لن يستطيع الفلسطينيون ترميمه دون إسناد رسمي عربي، وإننا نرى أن الجزائر بصفتها دولة رافضة للتطبيع مع الاحتلال، والمقاومة الفلسطينية بصفتها قوة سياسية وازنة لها تأييدها الواسع جماهيريًّا، وصمدت في عدة مواجهات عسكرية مع الاحتلال يمكن لهما تشكيل قوة مواجهة سياسية للتمدد الإسرائيلي في المنطقة العربية على حساب الحقوق العربية.