قادتها الصدفة لحضور تدريب لحكام كرة القدم في أحد ملاعب دمشق، لاحظت هبة سعدية عدم وجود أيّ امرأة بينهم، فدفعها الفضول لسؤال أحدهم عن السبب، فدعاها إلى الانضمام لهم لتكون أول حكم لكرة القدم في سوريا.
ومن هنا بدأت سعدية فلسطينية الأصل مشوارها في التحكيم لكرة القدم لدوري الرجال، وتشهد عليها الحارات الشعبية، وملاعب الساحرة المستديرة في دمشق، وهي تتلقى التدريبات، وتتمرن على قوانين وأساسيات التحكيم الدولي.
إصرارها على إثبات نفسها في مجال التحكيم أوصلها لتكون أول حكم فلسطينية تحكم بين أهم المنتخبات العالمية للفئة تحت 21 عامًا للرجال والنساء.
سعدية فلسطينية الأصل من مواليد مدينة دمشق، حاصلة على شهادة التربية الرياضية للمعلمات، بدأت التحكيم عام 2010م.
هاتفت "فلسطين" سعدية لتحدثها عن بدايتها مع احتراف التحكيم الدولي لكرة القدم، قائلة: "منذ صغري أحب كرة القدم، وحينما عُرض عليّ أن أكون حكمًا في هذه اللعبة لم أتردد لحظة، بل ثابرتُ وتدرّبتُ حتى أصبحت في مستوًى عالٍ أهَّلني لمنافسة الرجال".
وتضيف: "مشواري في التحكيم لم يكن سهلًا، ولكن أؤمن أن لا شيء مستحيل ولا حلمًا بدون عثرات وصعوبات، في البداية وجدت صعوبة في التدرب في ملاعب كرة القدم برفقة الحكام الرجال، لذا اتخذت من الأحياء الشعبية مكانًا تدريبيًّا لي".
وبعد تصاعد الأحداث في سوريا، اضطرت سعدية إلى الهجرة لكي تكمل حلمها في أن تكون حكمًا دوليًّا، حيث تمكّنت من الوصول إلى ماليزيا.
تُبيّن سعدية أنها واجهت تحديات كبيرة في ماليزيا بدءًا من اللغة، ونمط المعيشة الذي يختلف كليًّا عمّا كانت عليه في سوريا، تحدَّت كل الظروف حتى وصلت إلى الاتحاد الماليزي لكرة القدم.
وتوضح أنها خضعت لعدة اختبارات حاولت فيها إثبات نفسها على مدار ثلاث سنوات، قبل أن تضطر إلى الهجرة إلى السويد وفيها كان الأمر أكثر تعقيدًا.
تقول سعدية: "التحدي الأكبر أنّ السويد بلد أوروبي ولم آتِ من خلفية أوروبية، فاختلاف الثقافة كان حاجزًا كبيرًا أمامي لأن أكمل في التحكيم، ولكن لم أجعلها عقبة تعيقني عن إكمال حلمي والوصول إلى هدفي، وبذلتُ مجهودًا أضعاف ما يبذله المواطن السويدي، حتى استطعت الوصول إلى أعلى المستويات التحكيمية في السويد".
وبعد ست سنوات من دراسة التحكيم، احترفت سعدية التحكيم في عام 2016م وحصلت على الشارة الدولية، وفي عام 2017 دخلت النخبة الآسيوية وأصبحت تحكم في مباريات كرة القدم للرجال دون 21 عامًا.
مسؤولية وفخر
وعن أول مباراة تحكيمية لها، تجيب: "شعرت بعظم المسئولية، فكانت بحجم جبال لكي أتمكن من إثبات نفسي، حيث حكمت مباراة نصف النهائي بين كوريا واليابان".
وكون سعدية حملت لقب أول حكم فلسطينية دولية، تصف شعورها بالفخر كونها استطاعت رفع علم واسم فلسطين في المحافل الدولية "شيء عظيم أن أُمثّل فلسطين التي لم أُولد فيها ولم أزرها في حياتي، ولكنّ انتمائي لأرضي يجعلني فخورة بفلسطينيّتي وأننا رغم كل شيء قادرون وموجودون".
سعدية ليست حكمًا دوليًّا فحسب، بل ترى في نفسها سفيرة لفلسطين، وتقول إنها تبذل قصارى جهدها للتعريف بمعاناة شعبها وحجم التضحيات التي يُقدّمها، والإجرام الإسرائيلي بحقّه، سيّما تلك الدول التي تجهل الكثير عن فلسطين.
وعن أهم الإنجازات التي حقّقتها في التحكيم الدولي، تذكر أنها كانت حكمًا دوليًّا في مباراة نصف النهائي في كأس آسيا للسيدات بتايلاند تحت 16 عامًا، في عام ٢٠١٧، وفي العام التالي 2018 حكّمت في كأس آسيا للسيدات بالأردن وكنت حكمًا مساعدًا احتياطيًّا في المباراة النهائية بين أستراليا واليابان.
وتشير سعدية إلى أنها كانت حكمًا بالمباراة النهائية بين اليابان والصين في الألعاب الآسيوية في إندونيسيا، وفي ٢٠١٩ حكّمت مباراة النصف نهائي في بطولة "آسيان"، والنهائي بين تايلاند وفيتنام، وفي العام ذاته حكّمت نهائيات كأس آسيا للسيدات تحت 19 عامًا في تايلاند.
في عام ٢٠٢٠ عملت على تحكيم مباراة الذهاب النهائية المؤهلة لأولمبياد طوكيو في أستراليا، وفي ٢٠٢١ نهائي كأس العرب بمصر، وفي ٢٠٢٢ حكّمت نهائي كأس آسيا بالهند، وفي العام ذاته حكّمت بطولة رجال (Maurice Revello) في فرنسا.
وستُشارك سعدية في شهر آب/ أغسطس المقبل في تحكيم مباريات بطولة كأس العالم للسيدات تحت 20 عامًا، والتي تستضيفها كوستاريكا.