تستعد منطقة الشرق الأوسط لاستقبال الرئيس الأمريكي جو بايدن في زيارة هي الأولى للرئيس بايدن إلى المنطقة العربية، ورغم أن الزيارة تأخرت كثيرًا مقارنة بالزيارات التي كان يُجريها الرؤساء الأمريكيون في السابق إلا أن العديد من الإشارات استبقت هذه الزيارة لتشير إلى عدم استفادة الطرف الفلسطيني منها على الصعيد السياسي.
تأتي زيارة بايدن في ظل سقوط الائتلاف الحكومي في دولة الاحتلال، وبدء بازار انتخابات الكنيست في دوامة انتخابية لم تتوقف بين الأحزاب الإسرائيلية منذ ثلاث سنوات، ما يعني عمليًا حالة ضعف سياسي مستشرية لدى دولة "إسرائيل"، وعدم قدرة أيٍّ من الأحزاب السياسية على اتخاذ قرارات مصيرية يمكن أن تسجل نجاحًا لبايدن في زيارته إلى المنطقة.
على الصعيد الفلسطيني سيلتقي بايدن رئيس السلطة محمود عباس في بيت لحم، وهي زيارة بروتوكولية لا تقدم للفلسطينيين أي إنجاز سياسي، كما أنه من المتوقع أن تكون الصورة التذكارية مع الرئيس الأمريكي هي المكسب السياسي الوحيد من هذه الزيارة لرئيس السلطة الفلسطينية الذي انطلق الصراع حول خلافته بين قادة حركة فتح منذ شهور عديدة.
جميع الوعود الانتخابية التي قدمها بايدن للسلطة الفلسطينية سابقًا لم يتم تنفيذها بعد، ومن غير المتوقع أن يسعى بايدن إلى الوفاء بها خلال الفترة المقبلة، فمكتب منظمة التحرير الفلسطينية لا يزال مغلقًا في واشنطن، والقنصلية الأمريكية لم يتم إعادتها إلى شرقي مدينة القدس، وعجلة المفاوضات مع الاحتلال لا تزال تراوح مكانها إلى يومنا هذا.
وفي المقابل نجد أن زيارة بايدن تفيد كيان الاحتلال بالدرجة الأولى، ففي الوقت الذي سيسعى بايدن إلى التنسيق مع الاحتلال حول الملف الإيراني، في ظل التخوفات من إقدام الاحتلال على خطوة عسكرية ضد إيران دون تنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وسيسعى بايدن إلى تقديم حوافز للاحتلال وفي مقدمتها رعاية إطلاق تحالف عسكري عربي إسرائيلي يتيح (لإسرائيل) حرية التحرك عسكريًّا وأمنيًّا فوق الأراضي العربية سيما الإمارات العربية والبحرين التي نشرت منظومات إسرائيلية فوق أراضيها في إطار تحالفها العسكري والأمني مع كيان الاحتلال.
أما المملكة السعودية فيسعى بايدن إلى تقريب وجهات النظر بينها وبين الاحتلال، لعلها تقوم بخطوة علنية نحو التطبيع مع الاحتلال أسوة بدولة الإمارات العربية، كما سيحرص بايدن على تقديم تطمينات للأمير محمد بن سليمان بعدم وضع فيتو أمريكي على تبوئه عرش المملكة خلال الفترة المقبلة، وهو الهدف الأسمى الذي يسعى إليه بن سلمان منذ سنوات.
تشديد الحصار العربي الإسرائيلي حول المقاومة اللبنانية والفلسطينية ربما يكون من أبرز نتائج زيارة بايدن المقبلة إلى المقبلة، وهذا يتطلب تعزيز التنسيق المتبادل بينهما لمواجهة هذا الخطر الداهم، والذي تشارك فيه علنًا بعض الأنظمة العربية في المنطقة لصالح كيان الاحتلال وبتعليمات مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية.
بالنظر إلى زيارات المسؤولين الأمريكيين إلى المنطقة العربية خلال السنوات الأخيرة فإننا لا نعول كثيرًا على حدوث أي متغيرات في المنطقة، سوى تعزيز الاصطفاف السياسي المعلن بين تيارين الأول أعلن دعمه وتحالفه مع كيان الاحتلال، ولا يقدم لقضية فلسطين سوى بعض عبارات الشجب والاستنكار، فيما سلاحه ومنظوماته العسكرية، وخدماته الأمنية يقدمها طوعًا لكيان الاحتلال، وفي المقابل هنالك تيار آخر قدم الكثير من التضحيات في مواجهة الهيمنة الغربية على المنطقة العربية، وهذا التيار لا يزال مصممًا على دحر الاحتلال الإسرائيلي عن المنطقة العربية، وبين التيارين صراع خفي يتصاعد أحيانًا مع كل زيارة أمريكية إلى المنطقة، ثم لا يلبث أن يخفت من جديد.
ختامًا فإن المطلوب فلسطينيًّا عدم التعويل على الوعودات الأمريكية التي هي ذرٌّ للرماد في العيون، فالولايات المتحدة التي تقدم دعمها العسكري والسياسي والاقتصادي لكيان الاحتلال بشكل ثابت منذ عقود لا تعتبر أن للفلسطينيين على مختلف مشاربهم السياسية أي حقوق سياسية أو تاريخية في أرض فلسطين المحتلة.