فلسطين أون لاين

تقرير المخدرات.. أيادٍ خفية وراءها الاحتلال تسعى لإغراق غزة

...
عنصر من عناصر الشرطة بغزة يقف إلى جانب مضبوطات من المخدرات المهربة لغزة
غزة/ يحيى اليعقوبي:

  • لافي: المجتمع الفلسطيني يتفاعل مع قضاياه الوطنية وهذا جزء من حالة التصدي
  • أبو عودة: المدمن يحتاج إلى الدعم المعنوي لوقف التعاطي لكونه لديه حالة إنكار

بشتى الطرق والوسائل يحاول الاحتلال إغراق قطاع غزة بالمخدرات، بالسماح بمرورها عبر المعابر وغض الطرف عنها، ووقوفه في إحدى الحلقات الخفية في عملية إدارة شبكة المخدرات وترويجها داخل القطاع بمساعدة تجار يعملون على تدمير الشباب، ما يزيد عبء الجهات المختصة في القطاع في ملاحقتهم والعمل على التصدي لهذه الآفة.

مدير دائرة الشؤون القانونية في إدارة مكافحة المخدرات في قطاع غزة الرائد حقوقي علاء فوزي الوادية، يوضح أن موضوع المخدرات ظاهرة منتشرة على مستوى العالم خصصت لها الأمم المتحدة السادس والعشرين من يونيو/ حزيران يومًا عالميًّا لمكافحتها وتعزيز الوعي بمخاطرها على الصحة العامة للشباب وآثارها المدمرة في المجتمعات.

في الوقت نفسه يقول الوادية: إن الاحتلال يسيطر على المعابر ويمتلك أحدث الأنظمة التقنية للكشف عن المواد المخدرة، إذ تدخل الشاحنة بكاملها في أجهزة إشعاعية توضح كل ما بداخلها، غير أن الاحتلال يغض الطرف عن المخدرات بهدف إغراق قطاع غزة بها، في المقابل يقوم بضبط أي قطعة تقنية وتغريم صاحبها.

وتمتلك إدارة مكافحة المخدرات، كما يذكر الوادية، أجهزة قديمة مقارنة حتى بدول الجوار، "لكن بجهود ضباط المكافحة واستخدام الكلاب البوليسية تقوم بضبط المواد المخدرة"، ولو استطاعت ضبط ما نسبته 40% من حجم ما يدخل "فهذه نسبة جيدة، ونسعى للحد من دخولها بالمطلق".

ويشير إلى أن تجار المخدرات يعتمدون على الأنفاق الحدودية سابقًا (قبل إغلاقها) في تهريب المخدرات، ومن خلال المنافذ والمعابر والبحر، الأمر الذي يؤكد تورط الاحتلال في تسهيل تمريرها بطرق ملتوية وعبر حلقات لا يظهر فيها للمروجين ولا للتجار ولا للمتعاطين كذلك.

بحسب الوادية، يبلغ عدد القضايا السنوية للاتجار وترويج المخدرات 1300 قضية، مشيرًا إلى أن سياسة المكافحة تقوم على ملاحقة التجار وليس المتعاطين الذين يعدون ضحية لهؤلاء التجار.

وكشف أن الإدارة ضبطت العام الماضي 80 ألف حبة "روتانا" (تباع الحبة الواحدة بسعر 30-40 شيقلًا)، وضبطت 50 ألف حبة "ترامادول" غير طبية، وألفي حبة "سعادة" وكميات متنوعة أخرى في أثناء التهريب، وكميات لم تُحدد من "فروش الحشيش".

عن مدى نجاعة السياسة العقابية في ردع التجار، لفت الوادية إلى أن الإجراءات أصبحت مشددة بتشكيل محكمة الجنايات الكبرى التي أصبح أحد اختصاصاتها النظر في قضايا المخدرات، وإصدار أحكام تصل إلى السجن خمسة عشر عامًا للتهريب وتصل إلى المؤبد والإعدام في حالات التشديد، وإلغاء نظام الإفراج عن المروجين بكفالة إلا في حدود ضيقة، ما أحدث إرباكًا لدى التجار، واصفًا الإجراءات بالرادعة.

ونبه الوادية إلى أن المخدرات كظاهرة موجودة منذ القدم، ولكن أنواع الحبوب هي التي تتجدد في منطقة الشرق الأوسط، ففي سنوات ماضية برزت ظاهرة حبوب "ترامادول"، ومنذ عام 2018 بدأت تظهر أنواع جديدة كحبوب "روتانا".

استهداف أهم عنصر

الخبير الأمني محمد لافي، يقول إن الاحتلال يستهدف كل مقومات المجتمع الفلسطيني، ومن أهم العناصر التي تعتمد عليها المقاومة هم الشباب، لكونه عنصرًا مستعدًّا للتضحية، ومن ثم يُستهدف في ثقافته ووعيه عبر الحصار المفروض على القطاع منذ ستة عشر عامًا، والتضييق بهدف إحباط المجتمع.

ويضيف لافي لصحيفة "فلسطين"، أن قضية المخدرات هي جزء آخر من الحرب الخفيفة غير العمالة والتخابر مع الاحتلال، بهدف إبعاد الشباب عن حالة الوعي التي يمكن أن تجعل المجتمع يصمد أمام العدوان والحصار.

وكما يتعامل جهاز الأمن الداخلي في غزة مع موضوع التخابر، وفق لافي، تعمل إدارة مكافحة المخدرات على مكافحة الآفة والتصدي لها بمتابعة المتعاطين وملاحقة التجار، لافتًا إلى أن الوزارات الحكومية بغزة، ونظرًا لخطورة الآفة حولت قضية المخدرات للقضاء العسكري، وتعاملت معها على أنها قضية عسكرية في صميم البعد الوطني.

تتم هذه الحرب الخفيفة بواسطة أدوات يصفها لافي بأنها "سرية"، ورغم كل هذه المحاولات فإن المجتمع الفلسطيني المقاوم يتفاعل مع قضاياه الوطنية، ومن خلال الالتحاق في فصائل المقاومة، "ورغم تأثر المجتمع بالحصار والبطالة، إلا أن قضية المخدرات لم تصبح ظاهرة، وهذا جزء مهم في حالة التصدي".

ومضى إلى القول: "نحن نتحدث عن قضية غير ظاهرة، ولو كانت كذلك لرأينا وجود مصحات ومستشفيات للمعالجة"، مشيرًا إلى أن الاحتلال يستهدف تحييد عنصر الشباب عن المواجهة، ولكن كما فشلت أجهزة استخبارات الاحتلال في موضوع التخابر، فإنها كذلك فشلت في المخدرات لكنها محاولات تتصدى لها إدارة المكافحة، في المقابل هناك بلدان لا تعاني احتلالًا واستهدافًا وهي تعاني وتنتشر فيها ظاهرة المخدرات.

القضاء على وعي الشباب

آثار اجتماعية ونفسية عديدة تسببها آفة المخدرات، تستعرضها دكتورة علم الاجتماع، ختام أبو عودة، مشيرة إلى أن ظاهرة المخدرات عالمية ولا تقتصر على المجتمع العربي، مؤكدة أن الإدمان ظاهرة خطيرة يؤثر فيها المدمن في الأسرة والمجتمع، وتترك وصمة عار تلاصق المتعاطي طيلة حياته ويتحول لشخص سلبي، ولا يستطيع السيطرة على نفسه وقد يرتكب الجرائم المختلفة في سبيل الحصول على الجرعة، وتحدث لديه أزمة اجتماعية مع أصدقاء العمل والمجتمع.

وأضافت أبو عودة لصحيفة "فلسطين"، أن تسهيل الاحتلال عمليات وصول المخدرات لغزة ترمي إلى القضاء على أمل الشباب ووعيهم لإدراكه بأنها السبيل الوحيد لإبعادهم عن المقاومة، وإشغالهم بعيدًا عن القضايا الوطنية، على قاعدة "القضاء على أي مجتمع يبدأ بالقضاء على شبابه وعقوله".

ورغم ذلك، تؤكد أن المدمن دائمًا يحتاج إلى دعم الأصدقاء والأقران وبيئة العمل ويجب تشجيعه على الابتعاد عن هذه الآفة، فهو لم يذهب للتعاطي إلا لحاجته للتعاطف، وعليه يجب إقناعه بالعلاج، فهو دائمًا لديه حالة إنكار أنه غير مدمن وأنه لا يحتاج إلى التعافي، وهذا يقع على عاتق المختصين بالتوعية التي يجب أن تبدأ بالمدارس ثم بالمراحل الدراسية الأخرى.