- كنت طالبا بباكستان وتطوعت لتقديم خدمات طبية بأفغانستان
- اعتقلت عام 2003 في باكستان وتم تسليمي للجيش الأمريكي ونقلوني لقاعدة باغرام بأفغانستان
- مكثت في باغرام 3 شهور، وجهوا لي تهم الانتماء للقاعدة والتخطيط لهجمات ضد أهداف أمريكية
- تعرضت لتعذيب جسدي ونفسي شديدين كتجريد الملابس والايهام بالغرق والتعليق والحرمان من النوم والضرب
- قاعدة باغرام أسوأ من سجن غوانتانامو الذي يمكن أن ترى الشمس وتزورك منظمات حقوقية أما باغرام فلا
- نقلوني إلى الأردن حيث اعتقلت هناك 5 سنوات، ثم إلى الضفة الغربية واعتقلتني إسرائيل 7 سنوات
أمضى الفلسطيني سامر البرق، 3 أشهر معتقلا في زنزانة بقاعدة "باغرام" الأمريكية في أفغانستان، التي اعتبرها أسوأ من معتقل غوانتنامو الشهير، ويقول إنها كانت "جحيما".
ومع حلول اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب الذي يوافق 26 يونيو/حزيران من كل عام، يتذكر البرق ما أسماه "التعذيب الوحشي" الذي تعرض له خلال احتجازه في القاعدة الأمريكية.
ويقول البرق الذي يسكن حاليا شمالي الضفة الغربية، في حوار خاص مع وكالة الأناضول، إنه ما زال يعاني من آثار تلك التجربة.
ووجّهت أجهزة الاستخبارات الأمريكية للبرق تُهم الانتماء لتنظيم القاعدة، والتخطيط لشن هجمات ضد أهداف أمريكية، لكنها لم تستطع إثبات ذلك وأفرجت عنه لاحقا.
وعقب إطلاق الولايات المتحدة عملياتها العسكرية الشاملة في أفغانستان عام 2001، شيّدت العديد من السجون لاعتقال من وصفتهم بـ "الإرهابيين".
من أبرز هذه السجون "باغرام" الواقع على بعد 50 كيلومترا شمالي العاصمة الأفغانية كابل، وشيّده الأمريكيون عام 2002 داخل قاعدة باغرام الجوية، ويضم 120 زنزانة.
وشهد السجن الذي كانت تديره وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، اعتقال آلاف المواطنين الأفغان بمزاعم مختلفة، حيث تعرضوا فيه للتحقيق والتعذيب بشتى الوسائل، إلى أن بات يُعرف بـ"غوانتنامو أفغانستان".
ورغم قصر المدة التي أمضاها البرق في المعتقل، لكن ذاكرته مليئة بالتفاصيل التي يصفها بـ"الأليمة".
رحلة تعليم واعتقال
في العام 1994، التحق البرق بجامعة باكستانية، ودرس الأحياء الدقيقة، وحصل على درجتي البكالوريوس والماجستير منها لاحقا.
ويقول إنه تطوّع، كما الكثيرين لتقديم خدمات إنسانية طبية في أفغانستان.
وأضاف: "قبل الغزو الأمريكي كانت الحدود بين باكستان وأفغانستان مفتوحة، والتنقل سهل للغاية، تطوعت خدمة للمسلمين لتقديم العلاج مع الكثيرين من العرب ومن جنسيات أخرى".
وتابع يقول: "التقينا خلال التطوّع، بكثير من الناس، واقتصر تطوعي على العمل الإنساني فقط".
وفي يوليو/تموز من العام 2003، يقول البرق إنه اعتقل في العاصمة الباكستانية إسلام أباد على يد قوات الأمن، في فترة كان يعد فيها لدراسة الدكتوراه.
أسباب الاعتقال والتهم الموجة
حول أسباب اعتقاله من قبل السلطات الباكستانية، والتهم الموجهة له، يقول البرق إنه يجهل تماما أسباب اعتقاله.
ويقول في هذا الصدد: "أمضيت 3 أيام في السجون الباكستانية، دون تحقيق أو معرفة السبب، ثم سُلّمت للجهات الأمريكية".
ويضيف: "كان الأمر مستغربا، لقد أمضيت سنوات في البلد، بين دراسة البكالوريوس والماجستير لم أتعرض لأي اعتقال أو مضايقة".
بعد 3 أيام من الاعتقال في باكستان، تم تسليم البرق للجيش الأمريكي، والذي نقله إلى قاعدة باغرام في أفغانستان.
ولفت إلى أن المحققين الأمريكيين وجّهوا له تهما بالانتماء لتنظيم القاعدة، والتخطيط لتنفيذ هجمات ضد أهداف أمريكية، والاجتماع مع قيادات في تنظيم القاعدة.
ويقول البرق إنه نفى كل هذه التهم، ولم يثبت عليه شيء منها.
وحول تفاصيل احتجازه، من قبل الأمريكيين، يقول: "منذ بداية الاعتقال تم تقييدي وتعصيب عينيّ، ونُقلت عبر طائرة إلى مكان مجهول، أُخبرت لاحقا من المحققين أنه قاعدة باغرام في أفغانستان".
وعن معاملة المخابرات الأمريكية، يقول: "تعاملوا معي منذ اللحظة الأولى بطريقة همجية، مُزقت ملابسي، ألبست ملابس أخرى، تعرضت للضرب والجر".
وتابع: "أدخلت في مكان مع قناع يغطي وجهي بالكامل، ومن ثم كُشف عن عيناي، وجدت نفسي في زنزانة سوداء، وحولي مجموعة جنود مقنعين باستثناء واحد، سألته أين أنا؟ انهال علي بالضرب، وقال: أنت هنا لتجيب، لا لتسأل".
تعذيب وتجريد من الملابس
وفي ذاكرة البرق أصناف كثيرة من أساليب التعذيب النفسي والجسدي، وقال: "جُردت من ملابسي بشكل كامل لنحو أسبوعين، كان يسمح لي بستر عورتي فقط وقت التحقيق".
وقال: "تم تعليقي من يداي في سقف الزنزانة لأيام طويلة، كنت أفقد الوعي، ودائما هناك موسيقى صاخبة مزعجة وبشكل لا يطاق".
ولفت إلى أنه أمضى أيام دون نوم، وقال: "أذكر مرة قال لي المحقق سأسمح لك بالنوم لأربع ساعات، لا أعلم فعلا كم نمت، ما أذكره أنني وقعت أرضا، ثم تم إيقاظي، هل فعلا نمت أربع ساعات، أم أربع دقائق؟".
وأشار إلى أنه تحايل في بعض الأوقات على المحققين موهما إياهم بأنه سيعترف، لكي يسمح له بالجلوس على كرسي لدقائق، ولكن سرعان ما يتعرض للضرب عندما يقول لهم إنه "لا يوجد لديه شيء".
تعذيب متنوع
ومن أساليب التعذيب التي تعرض لها البرق، يقول إنه بقي في زنزانة تحت درجة حرارة منخفضة جدا، دون غطاء، وبقي عدة أيام يرتجف من البرد.
وأضاف: "كان جسدي قد تصلّب مرات، ولم أستطع قلب نفسي من شدة البرد"، وتابع: "حتى اليوم أشعر بذلك البرد".
وأضاف: "وُضعت في صندوق مغلق بالكامل، وتعرضت داخله للهز بشكل عنيف، كنت أرى الموت كل يوم، لكنه لم يأتِ".
وأشار إلى أن أصعب أنواع التعذيب الذي تعرض له، كان "الإيهام بالغرق"، مبينا: "تعرضتُ للرش بالماء على وجهي من صنابير ضخمة توهمك بالغرق؛ ينقطع النفس وتكاد تفارق الحياة".
أسوأ من غوانتنامو
وقال: "ذات مرة سألت المحقق أين أنا؟ هل هو غوانتنامو؟ فأجاب: أنت في مكان أمريكي غير شرعي، هناك (غوانتانامو) يوجد من تشاهده، ويوجد شمس ومنظمات حقوقية تزورك، أنت هنا منسي لا أحد يعلم بك، يعني أنت اختفيت من الحياة".
وتابع: "في حينه، نظرت إلى زاوية الزنزانة، وقلت: هنا حياتي ستنتهي، هنا الموت".
وأكمل: "كنت أحاول معرفة الأوقات لأقيم الصلاة، ولكن دون جدوى"، مشيرا إلى أنه تعرض لتعذيب نفسي، من بينه حديث المحقق عن الإسلام بطريقة "مستفزة جدا".
وبيّن أنه تعرض للشتائم "بطريقة عنيفة، وبألفاظ بذيئة للغاية"، وقال: "ذات مرة، أروني جدارا ملوثا بالدماء، وقال لي المحقق: أنظر إلى هذه الدماء، هذه دماء أصدقائك".
رحلة اعتقالات
وبعد 3 أشهر من الاعتقال والتعذيب المستمر، أُخبر البرق بأنه سيرحل إلى مكان قريب من أهله، ليفاجئ بترحيله إلى الأردن، التي يحمل جنسيتها.
وقال: "اعتقلت هناك (بالأردن) 5 سنوات، ثم أفرج عني، لم يثبت بحقي أي تهم"، ولم يتسن للأناضول الحصول على تعليق رسمي بهذا الخصوص.
ويقول إنه بعد عامين من العيش في الأردن تم نقله إلى الضفة الغربية، لتعتقله السلطات الإسرائيلية ويقضي حكما بالسجن 7 سنوات، بينها 4 في العزل الانفرادي".
ويقول إن إسرائيل وجّهت له ذات التهم، وهي الانتماء لتنظيم القاعدة، إلا أنه ينفي بشدة أن يكون قد انتمى إلى هذا التنظيم، في أي وقت من حياته.
واليوم يعيش البرق في بلدته، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 4 آلاف نسمة، ويعمل في مختبر طبي خاص، وعقب خروجه من السجن الإسرائيلي تزوج وأنجب طفلا.
ويلخص الفلسطيني ما جرى معه بالقول: "رحلة علم وتطوع إنساني، دفعت ثمنها سنوات طويلة من عمري".
وحول تأثير التعذيب وسنوات السجن عليه، يقول: "حتى اليوم أعاني من أوجاع لا أعرف سببها، أجريت عدة فحوص لم يتبين أي شيء".
ويقول: "الخروج من تلك القاعدة ليس كما الدخول"، في إشارة إلى التعذيب، وما يخلّفه من آثار جسدية ونفسية.