فلسطين أون لاين

تقرير التعذيب في سجون السلطة.. جريمة يفلت مرتكبوها من العقاب

...
غزة/ يحيى اليعقوبي: 

لم يستطع المعتقل في سجون الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في رام الله أحمد هريش (32 عامًا) حبس دموعه، ولا حتى إخفاء علامات ضعفه وجسده المنهك أمام شقيقته التي حضرت إلى جلسة محاكمته، وهي ترى آثار التعذيب واضحة على جسده وأطراف يديه.

يسأله القاضي خلال الجلسة، عن سبب ذرفه الدموع فجأة، ليخبره: "منذ سبعة أيام أتعرض لتعذيب متواصل ولا يتم التحقيق معي"، فيطلب القاضي إطلاعه على طبيعة التعذيب الذي يتعرض له، فيجيب بأنه يتم ربط يديه من الخلف ورفعه بالسلاسل، وضربه بعصي خشبية على يديه وأطراف جسده حتى تورم.

استخدم المحققون أو من يمكن تسميتهم حسب تعبيرات شقيقته أسماء "المُعذِّبون" طرقًا في التعذيب لم يجدها عند الاحتلال، أخبر أحمد القاضي أنه رآها لأول مرة في حياته تتعلق بالشبح بقضبان السجن والضرب بالطوب.

شبح وتعذيب

تقول أسماء، شقيقة أحمد هريش لصحيفة "فلسطين" عن جلسة المحاكمة: "من شدة التعذيب لم يستطع رفع رأسه عندما ناديتُه، لكنّ "الأحقر" من التعذيب أنه بعد الشبح والضرب يطلبون منه النهوض وأداء "الدبكة" أمامهم.

تنقل عن بقايا تفاصيل الحوار الذي دار بين شقيقها والقاضي، "عندما سأله القاضي عن آثار التعذيب على جسده وأنه يريد رؤيتها، أخبره أخي أنه كان يظلُّ معصوب العينين ولم يكن يرى التعذيب ولا حتى آثاره، وأنه صباح يوم جلسة المحاكمة رأى آثارها على أصابع قدميه ويديه.

بصوت مقهور تضيف: "رغم أنّ أحمد مُحرر أمضى خمس سنوات في سجون الاحتلال، وخضع لتحقيق عسكري في سجن "المسكوبية" لمدة ستين يومًا، وظهر في شموخ وعزة في سجون الاحتلال، فإنّني بالمعنى الحرفي رأيته "متعبًا كثيرًا من التعذيب"، مُحمِّلةً السلطة المسؤولية عن حياته، خاصة أنّ عائلته محرومة من زيارته.

وتطالب أسماء بوقف كلّ أشكال التعذيب، وتردف: "لا يمكن تخيُّل أن يقوم فلسطيني بتعذيب مواطن فلسطيني آخر، فبأيّ دستور هذا؟"، مشيرة، إلى أنّ وقائي رام الله اعتقل شقيقها الآخر محمد لمدة ثمانية عشر يومًا وأفرج عنه مؤخرًا، وأنّ مخابرات السلطة تواصل اعتقال أحمد في سجن أريحا.

لم يمضِ على زواج أحمد عشرة أشهر، حيث قام عناصر أمن السلطة وهم ملثمون باعتقاله من سيارته وترويع زوجته الحامل وتركها بالسيارة، ومنعه من التحضير لاستقبال مولوده البكر، تمامًا كما منعه الاحتلال من التحضير لمراسم زفافه، تقول شقيقته.

بمحافظة رام الله، يوم التاسع من يونيو/ حزيران الجاري، بينما انتهى المحامي الشاب أحمد إحسان خصيب من أداء صلاة الفجر، تفاجأ بأكثر من عشرين سيارة بها ملثمون تتوقف أمامه و"تختطفه" في أثناء عودته إلى منزله بعد انتهاء الصلاة.

ورغم أن المسافة الفاصلة بين المنزل والمسجد لا تزيد على 150 مترًا لم يبلغ عناصر أمن السلطة ذويه باعتقاله ليتركوهم عدة ساعاتٍ وهم يبحثون عن نجلهم، وكانت علامات الاتهام بداية موجهة صوب الاحتلال الذي اعتقله سابقًا ثلاث مرات لمدة ثلاث سنوات.

إحسان خصيب الأب الذي لم يلتقِ بنجله حتى اللحظة ليستمع إلى شهادته، ويطمئن عليه، تختلط مشاعر القلق بالخوف بصوته وهو يتحدث لصحيفة "فلسطين" قائلاً: "ذهب لنقابة المحامين يوم اختطافه، ثم أحضر ابني للنيابة، وحضرت الجلسة وعرفت أنه معتقل من قبل مخابرات رام الله، رغم أنه في تلك الفترة كان يركز في اجتياز امتحان المزاولة، لأن الاحتلال عطله كثيرًا باعتقاله ثلاث مرات، وتوقعنا أن يفرج عنه بعد يوم، لكني تفاجأت بتحويله لسجن أريحا".

يعلم والد أحمد ماذا يعني سجن أريحا، فسمعته تسبقه "السجن سيئ الصيت والسمعة" يقول خصيب: "من لحظة تحويله للسجن حاولت عدة مرات زيارة نجلي لكنهم رفضوا، إلا أنّ أحد المحامين الذين ترافعوا عنه أبلغني أنه تعرض لكدمات وشاهد عينه مزرقّة من الضرب، وربما استخدموا معه طرقًا أخرى بالتعذيب كالعزل في زنزانة، أو بالتعذيب والضغط النفسي".

جريمة قانونية

من جانبه، أكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" د. صلاح عبد العاطي، أن القانون الدولي يجرم ممارسات التعذيب، من خلال اتفاقية مناهضة التعذيب التي تحظر ذلك، وأيضًا من خلال قواعد القانون الدولي الإنساني، وكل معايير حقوق الإنسان، التي تجعل من التعذيب جريمة ينبغي محاكمة مقترفيها وإنصاف ضحاياها.

وقال عبد العاطي لـ"فلسطين": إنّ "هناك شكاوى عن تصاعد التعذيب في سجون السلطة، وهذا ناجم عن زيادة الاعتقال السياسي"، لافتًا إلى أن السلطة موقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب، وينبغي أن تقوم بكل الإجراءات الوقائية التي تحظر التعذيب، وتحظر الاعتقال التعسفي على خلفية سياسية، وخلفية الرأي، ويجب أن تقوم بدورها في محاسبة مقترفي هذه الجريمة، وتقديمهم للعدالة.

ولفت إلى أنّ هناك ارتفاعًا في أعداد المعتقلين على خلفية حرية الرأي والتعبير، فضلًا عن استمرار التعذيب بحق المعتقلين وحرية الرأي بالذات في سجن أريحا، مشددًا على أنّ ذلك يتطلب ضغطًا من المجتمع الفلسطيني وكل المؤسسات لوقف الاعتقال على خلفية سياسية، والمساءلة عن جرائم التعذيب بهدف منعها والحد منها.

لكن مدير مجموعة "محامون من أجل العدالة"، مهند كراجة ذكر أنّ التعذيب موجود منذ بداية قدوم السلطة، وهناك الكثير من الحالات التي جرى إعدامها خارج إطار القانون بسبب التعذيب داخل السجون، مبينًا أنّ التعذيب يختلف ويتفاوت بين أجهزة السلطة، خاصة في سجن اللجنة الأمنية في أريحا، و"الجنيد" في نابلس، ومخابرات ووقائي رام الله.

وقال كراجة لصحيفة "فلسطين"، إنّ المجموعة ما زالت تُوثّق وتحصل على شهادات لمعتقلين تعرضوا لتعذيب وسوء معاملة، مؤكدًا أنّ التعذيب ليس ضروريًّا أن يكون جسديًّا، فحسب اتفاقية مناهضة التعذيب، يمكن أن يكون بالحرمان من النوم والشتم والسب على المعتقلين، وهذا جزء مما يتعرض له 90% من المعتقلين.

وأشار إلى التعذيب الذي جرى مع الناشط السياسي نزار بنات والذي أدى لقتله، ورغم مخالفة ذلك للاتفاقيات التي وقّعتها السلطة لمناهضة التعذيب، فإنه وحتى اليوم لم يتم محاسبة أي عنصر بسبب ارتكابه جرائم تعذيب.