استطاع المقدسيون أن يعيدوا البوصلة الوطنية إلى اتجاهها الحقيقي والمستحق الوطني والتاريخي لها، بعد كل محاولات الضياع التي دخلتها القضية الفلسطينية, وطنيًا وعلى المستويين الإقليمي والدولي بفعل مسيرة التسوية التي أضاعت الحقوق, وتحولت السلطة إلى قوة إجبارية بدلا من أن تكون قيادة وطنية تمارس الحكم وتسعى للتحرر الوطني.
المقدسيون اليوم هم المنتصرون في المعركة التي يخوضونها، حيث يواجهون حكومة الاحتلال بكل قوة وصلابة وصمود يكاد يكون الأقوى خلال السنوات الماضية, والانتقال من النضال الفردي المتمثل بمواجهة الاستيطان والتهجير والإبعاد إلى مرحلة النضال الجماعي تحت راية واحدة تمثل كافة أطياف المواطنين المقدسيين، وبكافة مكوناتهم السياسية والاجتماعية، ومنع أي محاولة لاختراق صفوفهم.
المشاهد التي تنقل من أبواب الأقصى لآلاف المقدسيين من شبان وشيوخ وأطفال ونساء ومسلمين ومسيحيين تؤكد أن للفلسطينيين ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم، وفي المقدمة الأقصى الذي يتعرض إلى محنة حقيقية تستهدف طمس هويته الإسلامية والوطنية.
البوصلة التي يتحكم بها المقدسيون هي فرصة لنا لأن نعيد حساباتنا ومواقفنا, ونعيد توجيهها نحو القدس, ودعم أهلها وتعزيز صمودهم في مواجهة الاحتلال, وهم لا يملكون سوى الإرادة في كسر قرارات الاحتلال وعدم الخضوع لها.
وبورك الجهد الموحد الذي يقوم به المقدسيون والفلسطينيون في الداخل المحتل، الذين أطلقوا شرارة المواجهة الحالية من خلال عملية أبناء جبارين الأبطال، وكذلك التحركات الشبابية في بعض مناطق الضفة ومقاومة الاحتلال, وخاصة عملية عمر العبد، والدعم الإعلامي والسياسي والشعبي الذي تقدمه غزة للمقدسيين, الذي وصل إلى حد التهديد بالرد على انتهاكات الاحتلال.
والوزن الأثقل يقع على عاتق الفلسطينيين في الخارج رغم الظروف الصعبة التي يمرون بها، لكنهم يملكون أدوات مهمة في فضح ممارسات الاحتلال وانتهاكاته في الأقصى، والاستفادة من المؤسسات الدولية والإنسانية والحقوقية في ملاحقة الاحتلال.
لا يخفى أن التركيز هنا على الفلسطينيين ليس من باب يأس, لكن بعد أن ضيع العرب البوصلة بينهم وحرفوها عن القدس عبر محاولات التطبيع الخليجية التي يسعى لها البعض، قام الفلسطينيون بواجبهم في الدفاع عن مقدساتهم, ويصدق المثل "ما حك جلدك غير ظفرك".