بمهارة فائقة يندهش لها مَنْ يشاهدونها، تحيك الشابة ميساء البلبيسي "28 عامًا" الخيوط لتنتج قطعًا فنية مطرزة، فلم تترك الإعاقة لتكون حائلًا بينها وبين شغفها بالأشغال اليدوية، متغلبةً على النظرة المجتمعية السلبية وكلمات الإحباط التي ترافقها منذ الطفولة بأنها لن تتمكن من إنجاز شيء في حياتها.
عانت ميساء "التنمر" منذ نعومة أظفارها إذ ولدت بإعاقة خلقية في يدها اليمنى، فلاحقت عيون الناس أصابعها الصغيرة جدًّا، وأرهقتها أسئلتهم التي كانت ترافقها في كل مكان تذهب إليه.
تقول: "كان الأغلب يتساءلون عن وضعي وكيف أستطيع تدبير أمور حياتي، أما الأغلب فهم يبثون لي الإحباط بأنني لن أتمكن من فعل شيء في حياتي على وضعي الصحي".
ولأن الإعاقة إعاقة العقل وليست الجسد، لم يحُل عدم تمكن ميساء من إتمام مسيرتها التعليمية بعد الصف الحادي العشر دون مواصلة التعلم، "كثيرون يظنون أنني توقفتُ عن التعليم بسبب الإعاقة ولكن هذا ليس صحيحًا بدليل أن شقيقتي تعاني هي الأخرى إعاقة لكنها تدرس حاليًّا في الجامعة".
وتبين أن ما أقعدها عن التعليم هو ضعف مستواها الدراسي في ظل سوء الوضع المادي للأسرة وعدم مقدرتهم على مساعدتها بدروس خصوصية.
وتضيف أنها آثرت ترك التعليم والانغماس في الأشغال اليدوية التي تهواها كـ"الكروشيه" والتطريز، والتي بدأت خطواتها الأولى فيها من خلال حصص الأشغال في المدرسة.
بعد ذلك التحقت ميساء بمراكز مختصة لتنمية هذه الهواية، "تعلمتُ منها الكثير ودعموني بماكينة خياطة والكثير من الأدوات لكن في كل مرة تتعرض تلك المراكز لأزمات مالية بسبب الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة ما يحول دون استمرارهم في دعمي".
وتلفت مشغولات ميساء نظر كل مَنْ رآها لكونها متقنة بشكلٍ لا يشي بأنّ مَنْ أنتجتها تعاني مشكلة خَلْقية، "حتى يدي اليمنى أستخدمها في التطريز والكروشيه فأثبت بها الصنارة أو الإبرة ثم أعمل بيدي اليسرى على إتمام القطعة التي أنتجها".
المتعة والإنجاز
وتشعر ميساء بالمتعة والإنجاز وهي تقضي أوقاتًا طويلة تغازل إبرتها وخيطانها لتنتج قطعة فنية تشعرها بالرضا عن الذات حينما تراها بشكلها النهائي، "عائلتي الداعم الأكبر لي فهم يثنون على مشغولاتي ونشروا الأمر بين معارفهم وأصدقائهم الذين يقصدون منزلنا لرؤيتها".
وشرعت منذ مدة في عالم التسويق الإلكتروني لإيجاد موطئ قدم لمنتجاتها على منصات التواصل الاجتماعي وجذب زبائن آخرين من خارج محيطها العائلي، بجانب وضع بعض المنتجات في محل تجاري في مدينة رفح.
وتتمنى ميساء أنْ تحصل على دعم مادي يمكنها من شراء بقية المستلزمات التي تُمكنها من إنجاز قطعها الفنية بشكلها النهائي في منزلها في ظل سوء الوضع المادي لأسرتها الذي يجعلها غير قادرة على التعامل دائمًا مع محال يمكن أن "تعطي اللمسات الأخيرة لقطعها الفنية".
وتلفت إلى أنّها قامت بتطريز أثواب وشالات ومحافظ وصواني وفساتين وأغطية رأس وغيرها مؤكّدة أنّ لديها القدرة على صناعة أشياء أخرى وتلبية طلبات الزبائن المختلفة.
وعن كيفية توفير المواد الأولية، توضح البلبيسي أنّها تتلقى من الزبون ثمن تكاليف القطعة المطلوبة لشراء المعدات اللازمة لإنتاجها؛ ثم تشرع في تجهيزها وتتلقّى بقية المبلغ عند التسليم.
وترى البلبيسي في المشغولات اليدوية ردًّا على كل مَنْ يحاولون بث الإحباط في نفسها كلما رأوا "يدها المعطلة"، "مع أنني لم أعد أُظهر تأثري بكلامهم فإنني أحزن من داخلي من تعليقاتهم السلبية، ثم أجعل منها وقودًا للاستمرار والإبداع".