فلسطين أون لاين

درس آخر من الوثائق البريطانية

قرأت قبل سنوات وثيقة أعطانيها مؤرخ فلسطيني عمل معي في الجامعة جاء فيها أن جلالته لا يمانع بقيام دولة لليهود المساكين في فلسطين. يومها لم أثق بالوثيقة، ولم أصدق ما جاء فيها بشكل تام، واعتبرت أنها ربما تكون من صناعة إسرائيلية لإيجاد تنازع وعدم ثقة بين الفلسطينيين والطرف العربي.

اليوم وقد مرت سنوات طويلة على الحدث، أجد نفسي تصدق ما جاء فيها بشكل كامل، وذلك بعدما قرأت ما نشر في الوثائق البريطانية التي رفع عنها حجاب السرية قبل أيام، وجاء فيها أكثر من ذلك، حيث ذكرت الوثائق أن إضراب الفلسطينيين عام ١٩٣٦م كاد أن ينجح في منع قيام دولة يهودية، ولكن قيادة عربية كبيرة تدخلت عند القادة الفلسطينيين لوقف الإضراب على أن تقوم دولته بالواجب المطلوب وتحقق جميع مطالب المضربين.

استجاب قادة الإضراب لطلب القائد العربي بعامل الثقة فيه، والثقة في العروبة، والثقة في الكلام الموجب الذي ذكره، ولكن للأسف توقف الإضراب، ولم يحقق القائد الهمام أيا من مطالب الإضراب، واختبأ خلف التسويف، ثم الترك والإهمال، واستفاد اليهود من فشل الإضراب الذي عجزت بريطانيا عن إفشاله، وكاد فعلا أن يفشل قيام (إسرائيل).

الوثائق البريطانية الأخيرة ما زالت لم تحظ باهتمام فلسطيني، لا على المستوى القيادي، ولا على المستوى الأكاديمي، مع أنها تستحق الاهتمام الكبير، لأن فيها ما يفيدنا في ثورتنا المعاصرة ضد الاحتلال. من أفشل إضراب ١٩٣٦م عمل على إفشال الثورة الفلسطينية، ودفعها إلى المفاوضات، وهو يعمل على إفشال المقاومة، ويتعمق في علاقته مع الدولة الصهيونية، التي تنتظر يوما قريبا لتكون عضوا مراقبا في الاتحاد الإفريقي، والجامعة العربية.

حين أخفت بريطانيا الوثائق بحجاب السرية كانت تعلم ما تقوم به، وحين رفعت حجاب السرية بعد (٧٤) سنة فهي تعلم ما تفعل، وتقدر لكل عمل قدره، وإن مقاربة هذا العمل البريطاني يوجب على الفلسطيني المعاصر الاهتمام بالوثائق، واستخلاص العبر والدروس منها، فهل نشهد يوما دراسيا أو مؤتمرا أكاديميا أو حزبيا لدراستها؟