يَعيشُ شعبنا الفلسطيني أيامًا من التاريخ سَتُسَجَّلُ في سِفرِ الخلود، وهو يزحف بثبات على طريق أيام تصعيد شاملة ونحو انخراط جماهيري بَدأَ يُعطي أُكَلَهُ بإذن الله.
المُدنُ والقرى والمخيمات تغلي غضبًا في رام الله وجبل النار في نابلس وأيقونة الانتفاضة في الخليل وجنين وقلقيلية وفي كل ضفة البطولة.
الفصائل تقرر الخروج على الاحتلال إذا ما تمادى في دمويته الحمقاء ويدها على زناد سلاحها الذي يعلم العدو صَدى دروسِهِ في الميدان، حين يحين الحين.
المرجعيات الدينية تعلن الجهاد وتنذر بأن الأقصى خط أحمر وأن القادم أعظم. التحرك المُوَحّد لكل الشعب الفلسطيني يَتَسارع اليوم لأن ما يجري على أرض الرباط بدأ يأخذ أبعادَهُ الخطيرة لتصفية الوجود الفلسطيني بدءًا من القُدس في عملية تطهير عرقي منهجية، فلم يَعُد في شرقي القدس سوى 30% من المواطنين وأقل من 10% من الأرض؟
والعدو النازي المُحتل يَحشد كتائبه العسكرية ويزج بالمزيد من وحدات الشرطة وحرس الحدود، ويستدعي الاحتياط في محاولة يائسةٍ وبائسةٍ لوقف انتفاضة القدس التي تعود إلى أيام مجدها الأولى.
أجهزة أمن العدو وبالتعاون الوثيق مع أمن سلطة حركة فتح تعتقل خلال الأيام الماضية المئات ومن بينهم العشرات من قيادات حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى.
تسيبي ليفني، وحاييم هرتسوغ، يدعوان لوضع حل للوضع المتفجر ويحذِّران من انتفاضة لا تُبقي ولا تَذر.
الخارجية الأميركية تُنذِرُ للمرة السادسة في تصريحات رسمية من مخاطر جدّية تهدد الاستقرار في المنطقة برمتها. الجامعة العربية تَسْتفيق من سُباتِها العميق على وقع قمع الاحتلال الدموي وصدى عمليات المقاومة والصمود الثابت والمتعاظم لجماهير الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل من أقصاه إلى أقصاه. قيادات النظام الرسمي العربي يتحسسون رؤوسهم وقد بدأت التظاهرات في عديد البلاد العربية والإسلامية تزحف إلى عواصمهم، وقد باتوا يتذكرون مليونيات ثورات عام 2011 ميلادية والتي لم ولن يُخمد أوراها.
مجلس الأمن يجتمع بدعوة من مصر وفرنسا والسويد، والكلُّ يُحذر من حرب دينية، وقد عَرْبَدَ غُلاة قيادات المستوطنين اليهود في حكومة دولة العنصريين سفكًا للدماء وتهديدًا بتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل الثالث المزعوم على أنقاضه!
الجنرال يوآف مردخاي، مُنَسّق أعمال حكومة الاحتلال في الضفة والقطاع يفضح بتصريحاته جوهر مواقف رئيس سلطة حركة فتح في مقاطعة رام الله المحتلة، حين ينعق بأن العلاقة مع عباس في أحسن حال وأن الأمور مُطمئنة تمامًا، والتنسيق مستمر أمنيًا ومدنيًا وعلى نحو غير مَسبوق؟!
ويتساءل رئيس جهاز الأمن الداخلي الصهيوني: " لم العَجب حين نتعاون أمنيًا مع سلطة عباس؟!، فهذا التعاون مصلحة (فلسطينية) أولًا!"، ويؤكد ذلك تصريح مطابق لوزير الحرب أفيغدور ليبرمان!
بعد زيارة رئيس الشاباك الأردن، وبعد تدخُّل العاهل الأردني الملك عبد الله ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو، واضح أنه تم التوافق على حل تعاوني يحفظ العلاقات بين الدولتين الصديقتين.
الأجهزة الأمنية للعدو بدأت في تحريك البوابات الإلكترونية في الوقت الذي بدأت فيه بوضع كاميرات ذكية وحواسيب ومجسّات حرارية تكشف الجسد الإنساني تمامًا وما عليه بديلًا للبوابات.
لا تعليق أردني رسمي على ذلك، خاصة بعد عودة كامل طاقم السفارة الصهيونية في عمان بما في ذلك ضابط الأمن الذي قتل مواطنين أردنيين إثنين بعد ادعاء انتهاء التحقيق معه داخل السفارة كي يتمتع بالحصانات والامتيازات رغم أن حادثة القتل وقعت خارج حرم السفارة وفق القانون الدبلوماسي.
الشعب الأردني واللاجئون الفلسطينيون هناك يضيقون ذرعًا بما جرى والمؤشرات تؤكد أن تحركهم سيستمر في اتجاهين، ذاك الخاص بإفلات القاتل الصهيوني من العقاب والبدائل التي وضعت للبوابات والتي تُعد فنيًا أكثر سوءًا واستفزازًا وتضييقًا لمن سيؤدّون عباداتهم في أجواء حصار وعلى كل الصُعُد.
أما على المقلب الآخر، فإن سلسلة الفعاليات الشعبية تتداعى لِشَلّ الحياة في المدينة المقدسة فيما يتماهى مع عصيان مدني وتصاعد لا يلين لحصار البوابات الإلكترونية ورفض التعامل معها ومع مثيلاتها من الكاميرات والمجَسّات الإلكترونية وأجهزة الكشف عن المعادن التي بُدِأ بتركيبها على بوابة الأسباط للمسجد الأقصى المبارك.
الشعب الفلسطيني بكل قواه ومؤسساته ومرجعياته الوطنية والدينية يقاوم إجراءات العدو وترفض أي بدائل، فلا حلول وسط في أولى القبلتين وبوابة السماء مسرى النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فهذه لحظات فارقة وزمن لا ألوان رمادية فيه وقد بدأ التصعيد الشعبي الذي يتخذ كافة أشكال المقاومة في وجه قطعان جيش الاحتلال وسوائب مستوطنيه ولإغلاق كافة الميادين والطرق والاشتباك مع حواجزه.
لقد أعلنت "حركة حماس" والجهاد ومعهما عديد القوى الحيّة في الضفة والقدس وقطاع غزة إلى وقف حقيقي وشامل لكل أشكال التخابر مع أجهزة الاحتلال الأمنية، فكيف يستقيم ذلك مع من يَسْتَوطن وَيُهَوِّد ويُدَنِّسُ الأقصى!؟
وتُطالب القوى سلطة حركة فتح بإعلان التَّحلَلّ من كل اتفاقات العار التفريطية مع العدو المحتل، ولوقف كل الإجراءات التي تمارسها حكومة الحمد الله في تشديد حصار أهل قطاع غزة لخنقهم وقتل الإنسان فيهم لمصلحة دولة المستوطنين وبالإفراج الفوري عن المقاومين وإطلاق يدهم وإسنادهم.
كما تكتسي الدعوة الفورية للجنة التحضيرية المُكلَّفة بالإعداد للمجلس الوطني أهمية استثنائية، كذلك اجتماع القيادة المؤقتة لمنظمة التحرير وفقًا لاتفاق القاهرة وإنفاذ كافة بنوده والعودة للشعب في انتخاب قياداته وهيئاته في المجلس الوطني والتشريعي والرئاسي.
الشعب الذي تُوَحِّدُه اليوم انتفاضة القدس في كل فلسطين المحتلة وفي أقطار اللجوء والشتات يطالب باستنهاض كل عناصر القوة لإسناد الأهل في القدس وفي الضفة وقطاع غزة وفلسطين المحتلة عام 1948 ميلادية وتعزيز صمودهم ومقاومتهم الباسلة، فصراعنا مع العدو هو حرب إرادات، وقد أثبت التاريخ أن النصر كان دومًا حليفًا للشعوب.