أحمد أبو زهري
لا يتوقف العدو الإسرائيلي عن مواصلة وتصعيد الجرائم المروعة بحق الفلسطينيين، فقد اغتالت قواته ثلاثة شبان فجر الجمعة، في كمين نصبته خلال اقتحامها مدينة جنين، والشهداء هم: يوسف ناصر صلاح (23 عاما)، وهو شقيق الشهيد سعد صلاح من جنين، وبراء كمال لحلوح (24 عاما) من مخيم جنين، وليث صلاح أبو سرور (24 عاما)، وهو شقيق الشهيد علاء أبو سرور من جنين، هذه الجريمة تأتي في سياق محاولات الاحتلال النيل من المقاومة في الضفة الغربية، وتقويض نشاطها، ووضع حد لقدراتها، وتحقيق مستويات متقدمة من الردع في صفوف المقاومين، وتوجيه ضربات استباقية من شأنها منع وقوع عمليات إضافية، لكنه وعلى الرغم من هذه السياسات الإجرامية لم يستطع تحقيق أي من أهدافه، وما زالت المقاومة تتعاظم في جنين وباقي محافظات الضفة والاشتباكات والعمليات مستمرة معه في مختلف المناطق.
هذه الجريمة أعادت تعبئة الجماهير مجددا، وأشعلت حالة ممتدة من الغضب في الأراضي الفلسطينية على الاحتلال، وقد تنامت مطالب الجماهير من المقاومة (بضرورة الانتقام) وتنفيذ عمليات ضد أهداف الاحتلال ردا على هذه الجريمة وجرائم أخرى يرتكبها العدو في مختلف الساحات، وقد تزامن ذلك مع تهديدات أطلقتها الفصائل الفلسطينية "بأن الجريمة لن تمر دون عقاب، والاحتلال سيدفع الثمن"، هذا يعني أن الشعب الفلسطيني لا يمكن ردعه أو تخويفه بأي صورة، وعمليات الاغتيال التي يمارسها العدو الإسرائيلي هي بمثابة وقود لإشعال المواجهة مجددا، وهي فرصة لتصعيد حالة الاشتباك، ورسالة واضحة لرفع حالة الاستعداد والجهوزية لتوجيه ضربات قاسية ومؤلمة للعدو؛ لأن الاحتلال لن يتراجع إلا إذا ما تم رفع كلفة عملياته وإيقاع الخسائر في صفوفه سواء من خلال تصعيد حالة الاشتباك والتصدي له في المدن والمخيمات، أو تنفيذ عمليات في عمق الكيان لاستهداف جنوده ومستوطنيه.
وفي السياق فإنه يجب الانتباه جيدا إلى أن الاحتلال يمارس سياسة مختلفة في عملياته ضد المقاومة في جنين فهو لم يبادر لتنفيذ عملية اجتياح واسعة للمخيم ولم يطلق عملية عسكرية كبرى؛ وذلك بسبب "المعادلة التي فرضتها" المقاومة حيث وضعت (خطوطًا حمراء) للعدو مفادها؛ أن أي عملية عسكرية يقدم عليها العدو لتفكيك خلايا المقاومة والقضاء على وجودها سيؤدي لرد من المقاومة وقد يشمل ذلك الرد من غزة، الأمر الذي قد يفجر مواجهة شاملة، وهذا ما لا يريده العدو الإسرائيلي، لذلك لجأ لصورة مختلفة من خلال "عمليات خاطفة" تستمر لساعات وتكون في أطراف المخيم، لاغتيال مقاومين، أو محاولة اعتقالهم، أو هدم منازل لمنفذين، حيث يكتفي (بجراحات موضعية) ولا يجرؤ على التوسع في ذلك، لاعتبارات المعادلة التي فرضتها المقاومة، ولخشيته من التورط في مواجهة كبرى قد تؤدي لتهديد جنوده ومستوطنيه بل وجبهته الداخلية بصورة عامة.
لكن علينا أيضا عدم السماح للاحتلال بمواصلة هذه السياسة لما تحمله من خطورة حتى لا يتم "استنزاف المقاومة" بأي شكل، وحتى نوفر الحماية اللازمة لكوادرها ومقدراتها؛ لأن استمرار العمليات المركزة ضد جنين على مدار الساعة من الاحتلال يشكل تحديًا كبيرًا، على الرغم من استعدادات المقاومة وجهوزيتها العالية وقدرتها على المواجهة الدائمة، لذلك مطلوب من المقاومة في الضفة أولا: تفعيل دور باقي المحافظات والمدن لتحاكي تجارب جنين، ثانيا: تصعيد عمليات إطلاق النار والاشتباك مع الاحتلال من مختلف المناطق في الضفة، ثالثا: تشكيل كتائب إضافية للمقاومة من خارج جنين، رابعا: الرد على أي عملية يقوم بها الاحتلال سواء في جنين أو أي من مناطق الضفة، خامسا: تقديم الدعم المتواصل بالمال والسلاح للمجموعات المسلحة في جنين سواء كان ذلك بجهد فردي أو منظم، سادسا: تفعيل المواجهة الشعبية في حال التوغل والاجتياح بحيث يخرج الأهالي بحشود كبيرة وبما يتوفر معهم من أدوات للمواجهة، وألّا يتركوا المقاومين وحدهم.
وعليه فإن الاحتلال يدرك تماما بأن تهديدات المقاومة في إثر هذه الجريمة المروعة سيكون لها (ترجمات حقيقية)، لذلك سيلجأ لتعزيز حضور قواته وسيكثف من وجوده في مختلف مناطق التماس وسيفرض قيودًا إضافية على الحركة لإفشال أي محاولة لشن هجمات انتقامية للمقاومة، لكنه حتما سيعجز عن كبح جماح المقاومة، وسيفشل في منع وقوع أي عمليات قادمة، كما فشل في السابق وما عليه سوى "انتظار ساعة الحساب" لأنها باتت قريبة، فالمقاومة لا يمكن أن تتسامح مع عدوان الاحتلال ولن تنتظر طويلا، وقرار الرد بات حاضرا، وربما يكون هذا الحدث هو شرارة العودة لشن سلسلة من العمليات الفدائية وليست عملية واحدة، حتى يتم ردع العدو بل صعقه وهز أركانه كي يفيق من حالة الجنون التي يعيشها، ويدرك بأن عملياته لم تحقق الأمن المطلوب ولم تؤدِّ لتقويض أنشطة وعمليات المقاومة.