في حقل يغطيه اللون الأخضر على سفح مرج ابن عامر في قرية الجلمة إلى الشمال من جنين، وضعت شيماء حمد طاولة مكسورة بشرشف أحمر تكسر حدته خطوط بيضاء، ورصَّت أطباقًا من القش مليئة بأقراص السبانخ، والزعتر الأخضر، والخبيزة، واللسينة (ورق اللسان)، والبحبوثة التي أعدتها من ورق اللوف.
أعدت حمد التي تعمل محاميةً الطعام بنفسها، فهي مولعة بصنع الأطباق التقليدية التي تعكس الهوية الفلسطينية، وقدمتها لمجموعة من المهتمين بالموروث الغذائي الشعبي، ضمن مبادرة "عليكم الجيرة".
تقول حمد وهي من ضمن فريق المبادرة لـ"فلسطين": "في الأساس أعمل محاميةً، أهتم بالدفاع عن حقوق الملكية الفكرية للموروث الغذائي الفلسطيني، باستخدام فنون الطهي، وتسليط الضوء على المطبخ الفلسطيني بهدف حمايته، والموسمية، وعولمة الطعام، وتناول قضايا لها علاقة بحقوق المزارعين".
وتضيف: "ولأنني أحب الطبخ عملت في "عليكم الجيرة" على إبراز المواسم الزراعية، وإخراجها بصورة موائد وأطباق شعبية، أو تسليط الضوء على المعارف الأصلية التقليدية التي ابتكرها أهالي الجلمة من المزارعين، لكثرة الإنتاج، واحتكاكهم بهذه النباتات".
وصنعت حمد مائدة أطباق من القرعيات، وأخرى لها علاقة بموسم البازيلاء، والورقيات كالسلق، واللوف، والخبيزة، وتحاول إبراز المعارف التراثية الأصلية التي ابتكرها الشعب الفلسطيني على مدار سني احتكاكه بالأرض.
وبعد هذه الإنتاجات الثلاثة، تخطط في شهري يوليو وأغسطس المقبلين لتنفيذ مائدة موسم البندورة، والبامية، واللوف، كما ستتطرق إلى الصناعات الغذائية القائمة عليها.
وتبين حمد أن المبادرة من خلال المجاورات البحثية، والمقابلات مع مزارعي الجلمة، تكونت لديها معرفة كثيفة بالأطباق التي تكاد تندثر كالجعاجيل، واللوف، والعادات التي كانوا يفعلونها قديمًا ولم تعد موجودة حاليًّا، إذ كانوا يجمعون بذر البطيخ بعد تجفيفه وتحميصه وتقديمه لضيوف، كما كان يُصدَّر البطيخ للشام، والعراق بسبب غزارة الإنتاج.
وتوضح أنها تعلمت تقنيات لها علاقة بعالم الطبخ، كالتجفيف، والتخليل، كما تعرفت إلى القصص التي ارتبطت بالأطباق التقليدية وتاريخها، وأصلها، إذ تقوم بروايتها لمتذوقيها، لكي يشكلوا ذاكرة مع الموسم، فيتشكل لديهم مفهوم جديد وإدراك لأهمية المعرفة المحيطة.
زرع وزجل
في حين يبين الباحث في الموروث الشعبي حمزة العقرباوي، وهو من ضمن فريق مبادرة "عليكم الجيرة" أن المبادرة تحاول التعرف إلى التنوع والغِنى في الموروث الزراعي والغذائي، والثقافي، في قرية الجلمة على سفوح مرج ابن عامر إلى الشمال من جنين، إذ تُنظم جولات شهرية للإعلاميين، والمهتمين، على المؤسسات، والمنشآت الزراعية، ويلتقون بالمزارعين.
ويوضح العقرباوي لـ"فلسطين" أنه تُنظَّم مجاورات بإقامة فنانين، ومهتمين، وباحثين ليتعرفوا إلى التنوع في الجلمة، وفي كل جولة يُركَّز على محصول حقلي تشتهر به، ويتم إعداد أطباق منه، إذ تُنفذ جولة القرعيات، والبازيلاء.
كما نفذت "عليكم الجيرة" جولة لمجموعة من الشباب المتطوعين الذين يجوبون فلسطين منذ 12 عامًا، بدءًا من جبل الدِّن، وانتهاءً بالمطار، مرورًا بالجلمة، بحسب قوله.
وذكر العقرباوي أن مارس/ آذار الماضي شهد تنظيم مهرجان زرع وزجل، وهما ما تشتهر بهما الجلمة، وتخلله سوق شعبي عملت فيه السيدات على عرض منتجاتهن من الخضراوات، إضافة إلى العروض المسرحية.
ويشير إلى أهمية هذه المهرجانات في إسناد قضايا المواطنين، وهمومهم، والتحديات والإنجازات في الجلمة ضمن أطر فنية.
وينبه العقرباوي إلى أن "عليكم الجيرة" في مرحلتها الأولى تركز على جمع المعلومات عن القرى، والبلدات، التي فيها غنى زراعي، وحيواني، لتقدم محتوى غنيًّا بصريًّا وسمعيًّا من خلال تسجيل فيديوهات توثيقية.
ولدى سؤاله عن الهدف، يجيب: "لنثير اهتمام المعنيين والفاعلين، لأننا بحاجة إلى عمل شعبي مرتبط بالأرض، والزراعة، والنشاط الثقافي أيضًا، والغوص عميقًا حتى جذور القرية، فهي مليئة بالتفاصيل التي تغيب عن كثير منا".