لقد بذلت (إسرائيل) جهودًا كبيرة خلال السنين الماضية لصرف نظر الأمة العربية عن قضيتها المركزية الأولى أعني قضية فلسطين وفي قلبها القدس والمسجد الأقصى، فكانت تنجح أحيانا بتحويل قبلة الاهتمام العربي نحو الخليج وإيران، وأحيانا نحو الإرهاب. ولعل أكبر نجاح حققته في هذا المجال كان في ظل زيارة ترامب الرئيس الأمريكي للمملكة السعودية مؤخرا، والتي تولدت عنها أو بعدها أزمة دولة قطر مع المملكة والبحرين والإمارات، ومصر، وارتفعت حدة التوترات مع إيران أيضا، وعبر قادة من دولة الاحتلال عن ارتياحهم للعلاقات غير المعلنة مع بعض دول الخليج، وارتياحهم بتحول اتجاه الصراع عند هذه الدول نحو إيران، من ناحية ونحو الحركات الإسلامية من ناحية أخرى.
كان هذا النجاح مؤقتًا فقد أعادت أحداث الأقصى، وهبة الجماهير الفلسطينية من ناحية ومظاهرات التأييد والنصرة للمسجد الأقصى، القضية الفلسطينية إلى مركزيتها في الاهتمام العربي والإسلامي، واستنكرت دول عديدة في العالم البوابات الإلكترونية وقمع شرطة الاحتلال للمعتصمين المسلمين الذين احتجوا على البوابات الإلكترونية، وطالبوا بإزالتها لأنها تستهدف تحقيق مكاسب سياسية وتمهد لفرض سيادة دولة الاحتلال على المسجد الأقصى.
إنه كلما انصرفت الأمة العربية والإسلامية نحو قضايا بعيدة عن القضية الفلسطينية، جاء الأمة ما يوقظها ويجعلها تعود إلى قضيتها المركزية. وهكذا سيتكرر الحال إلى أن يزول الاحتلال.
قبل أيام كانت أزمة المملكة والإمارات والبحرين مع قطر تتصدر النشرات الإخبارية، واهتمام القادة والوسطاء الذين يتألمون للخلافات الخليجية مع قطر، ومن ثمة كانت الوساطة الكويتية تضع هذه الأزمة في أول أجندة أميرها الموصوف بالحكمة والخبرة، ولكن بعد أن تفجرت أزمة المسجد الأقصى عادت القضية الفلسطينية إلى مكانها الطبيعي تزاحم القضايا الأخرى في اهتمامات الأمة، وبدأ بعض السياسيين يتخوفون من أن يتحول الصراع ليصبح صراعا دينيا، وهو ما حذرت منه وسائل إعلام عبرية وغير عبرية.
إنه ومهما طال زمن الصراع، ومهما تنازع العرب فيما بينهم، أو استبدت ببعضهم الخلافات، فسيبقى التناقض مع الاحتلال هو القضية الأولى في أجندتهم، لا سيما على مستوى الشعوب التي ترى في المسجد الأقصى قضيتها الأولى. إن قضية فلسطين، وقضية الأقصى تحديدا ستبقى في جوهر الاهتمام العربي، على مستوى الأمة، مهما انشغلت الأمة بقضاياها الداخلية.