من الأشياء التي يندى لها الجبين ولا يقبلها المواطن المخلص التعدي على الأراضي والأملاك الحكومية، إما بالسرقة والسطو والبلطجة، وإما بالتحايل على القانون، أو بوضع اليد "مال سايب" زورًا وبهتانًا، من أراضٍ هي في الحقيقة من أملاك دولة فلسطين. مشكلة تعدي بعض المواطنين على الأراضي والأملاك الحكومية، بهدف التجارة فيها والتربح منها بصورة غير قانونية، دون وجـه حـق، وحسـب تقريـر رئـيس سـلطة الأراضـي، عماد الباز، فـإن هـذه الأراضــي التــي تــم التعــدي عليهــا مــن قبــل الأفــراد تشــكل مــا نســبته 32000 دونــم، أي ما نسبته 60٪ من إجمالي الأراضى الحكومية، ومن ضمن هذه الأراضي المُتعدى عليها ترجع إلى ما قبل عام 1967، أراضٍ بعد قدوم السلطة، وهناك أراضٍ تم التعدي عليها بعد انسحاب الاحتلال من غزة (المحررات) عام 2005، وأذكر من هذه العشوائيات منها بيت حانون وعزبة دواس وبئر النعجة.
لكن لا بد من لفت النظر لظاهرة خطيرة تمت في عهد السلطة قبل عام 2007، إذ تم استيلاء بعض أصحاب النفــوذ والقــائمين علــى الأجهــزة الأمنيـة ومؤسسـات الســلطة علـى أراضــٍ حكومية خصصت لهم للانتفاع فقط، وباعوها دون وجه حق تحـت سـتار "التخصـيص"، إذ إن هؤلاء خصصت لهم قطع الأراضي بمساحات "مجانًا" دون أن يدفعوا أي مبلـغ، أو أن مـا دفعـوه فيهـا أقل من المبلغ المطلوب دفعه، كذلك قام هؤلاء ببيع هذه الأراضي فيما بعد دون وجه حق.
لا يختلف أحد على أن الأراضي الحكومية تصب في المصلحة العامة وهي ملك عام لجميع أفراد المجتمع. فالهدف من الأرض الحكومية هو تخصيصها للمنفعة والمصلحة العامة للأجيال القادمة بتوفير مدارس وجامعات أو مشاريع إسكانية أو مشافٍ، مثل الأقصى (1) والأقصى (2)، إلخ، لكن الاستيلاء على الأراضي الحكومية للملكية الخاصة، وليس من أجل الإيواء والسكن، بل للمتاجرة والسمسرة، فكما يقول رئيس سلطة الأراضي، بأن الكثير من هؤلاء المواطنين المتعدين على الأراضي الحكومية يمتلكون منازل في الأساس، وأن الاعتداء على الأراضي الحكومية أصبح مسألة تجارية بامتياز، والهدف هو الاستيلاء على مزيد من هذه الأراضي ووضع اليد عليها بهدف المتاجرة بالأراضي، ومضاعفة الأرباح خارج إطار القانون، بل الأخطر من ذلك أن هناك أيضًا عددًا من المواطنين يقومون باستئجار أراضٍ حكومية، ثم يقومون ببيعها والتربح منها، وقد يبعث هذا على الفوضى وعدم الاستقرار.
المستهجن في الأمر أصوات النشاز، فقد سمعت خطيبًا في خطبة الجمعة الماضية وقد تناول هذا الموضوع وفق رؤيته المغلوطة، إذ أدان ما تقوم به سلطة الأراضي في هذا الجانب، وكأنه يشجع عن المنبر على التعدي على الأراضي الحكومية، لا أعلم على ماذا يبني كلامه؟ هل استند الخطيب إلى حكم شرعي! ولو كان كذلك فلماذا لم يوضحه ويطلعنا عليه؟ معروف للجميع أن العشوائيات هي تعدٍّ سافرٌ على الأراضي الحكومية، ومعارض للقانون الأساسي الفلسطيني، بخصوص الملكيات العامة والحكومية. فالشريعة الإسلامية حرمت الاعتــداء علــى الأراضــي الحكوميــة، بل واعتبرتها كبيــرة مــن الكبــائر، لأن هــذه الأراضــي ليســت ملكــاً للأفــراد بــل هــي مــن أمــلاك الدولــة، والجهــة الوحيــدة المتصــرفة بهــذه الأراضــي هــي الحكومة والفئة المستفيدة منها هو الشعب، لذا يحرم على الفرد استغلال الأملاك العامة لمصالحه الشخصية بل إن المتعدي يعاقب يوم القيامة بنار جهنم، لقوله تعالى: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (أيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به).
فأن يقول خيرًا أو ليصمت هو أفضل من إثارة الفتن دون وجه حق، لأن هذا من شأنه الاستعلاء على شرع الله ومخالفة قانونية يندى له الجبين، فلا أحد يرضى بالخطأ وارتكاب المعاصي، وقول الزور، والخطب الجوفاء والجهل بالواقع، لأن التعدي على أملاك الغير فما بالنا بأملاك حكومية تعد جريمة سرقة ونهب للمال العامة والدفاع عنهم بمنزلة كلمة حق يراد بها باطل، حتى لو كان هو واحد منهم، لقوله تعالى: (الفتنة أشد من القتل)، فكل مواطن له حق في هذه الأراضي والأملاك الحكومية، لذا الاعتداء عليها اعتداء على الحق العام، وتعد مقدرات شعب هو في الأساس واقع تحت الاحتلال، الذي يطمع في أرضه منذ أن وطئت قدم الصهاينة فلسطين، فقد استولوا على الأراضي بكل الطرق والوسائل، وساعدهم على ذلك السماسرة وتجار الأراضي، ولا تزال فتوى للشهيد الحاج أمين الحسيني سارية بإحلال دمهم.
الأراضي والأملاك الحكومية قضية من أهم القضايا الأمنية، لكونها مخزونات إستراتيجيًّا للشعب وفلسطين، لذا من المفترض أن تكون الأنظمة والقوانين مشددة ورادعة ضد المخالفين للنظام حتى لا تسول لهم أنفسهم القيام بأعمال ضد مصالح الشعب العليا. رغم ذلك لم تغلق سلطة الأراضي الباب، حفاظًا على المصلحة العامة بطرحها مبادرة التسوية للأراضي لإتاحة الفرص للمواطنين بالتعاون مع البلديات والجهات المختصة في كل منطقة، سعيًا لتصبح هذه الأراضي ملكية خاصة "للطابو"، وأعتقد سيكون الشراء بنظام الأقساط مع تخفيضات تصل إلى 75% من الأقساط المتبقية على المواطن في حال الدفع كاش، على حين تصل إلى 65% في حال التقسيط على ثلاث سنوات دفعات متساوية بنسبة 25% من ثمن الأرض المتبقي على المواطن.