فلسطين أون لاين

تقرير الزجاج والخزف.. صناعة تقليدية تحجز مكانًا في الأسواق العالمية

...
صناعة الزجاج والزخرف
غزة/ هدى الدلو:

في السادسة عشرة كانت بدايات جلوسه أمام الفرن الحراري، ليذيب الزجاج بداخله على درجة حرارة عالية تصل إلى 1400 درجة مئوية، ويحركه بواسطة قصبة حديدية طويلة ينفث فيه الهواء ليشكل الزجاج تارة بالنفخ وأخرى بيده، ليصنع تحفًا زجاجية بأحجام وأشكال فنية تجذب عين كل من يرى إبداع صانعها.

فوزي النتشة (68 عامًا) من مدينة الخليل، امهتن صناعة الزجاج والخزف "أبًا عن جد"، إذ وضعت هذه الحرفة جذورها في مدينة الخليل قبل 400 عام.

وقد حافظ كل من عمل في تلك الصناعة على الطريقة التقليدية واليدوية في تشكيل الزجاج غاضين الطرف عن كل التطور التكنولوجي.

يقول لصحيفة "فلسطين": "لم ندخل أي آلات أو ماكينات لأجل تصنيع الخزف والزجاج، معتمدين على المعدات البسيطة التي تم استخدامها منذ بداية امتهان أجداده للصناعة، كالفرن الحراري، والمواد الخام، وبعض المعدات البسيطة التي تساعد في عملية التصنيع".

ويضيف النتشة صاحب مصنع للزجاج: "تلك المهنة التي ورثتها عن أجدادي الذين تعلموها فترة وجودهم في تركيا لتصبح مصدر رزق لهم، وتراثا يورث للأجيال علينا المحافظة عليه".

ففي عمر مبكر يعكف أبناء العائلة على تعلم صناعة الزجاج والخزف ورسمها وزخرفتها فيما بعد على مراحل عمرية مختلفة، فهي من الصناعات القديمة التي وجدت في مدينة الخليل، وتعد حرفة تاريخية لكونها قديمة وتتوارث عبر الأجيال، ولم تمحها الحقب الزمنية التي مرت على البلاد.

ولا يخفي النتشة أن العمل في هذه المهنة ممتع يعتمد على الإبداع والابتكار في التصنيع والرسم والتلوين، ولكنه في الوقت نفسه يعد عملًا متعبًا لما يحتاج إليه من ساعات طويلة في الوقوف أمام فرن ينفث نارًا بدرجات حرارة عالية ليتمكن من صهر الزجاج، كما أن تعلم المهنة يحتاج إلى وقت.

وورث النتشة تلك المهنة لأبنائه الثلاثة، فعلمهم تفاصيلها وأسرارها، ليساعدوه في المصنع والإشراف على العمال البالغ عددهم 22 عاملًا.

ويلفت إلى أن الجميل في هذه الصناعة اعتمادهم على الزجاج المكسر بإعادة تدويره وتجميعه وصهره مجددًا، ومن ثم تشكيله على شكل تحف فنية، ومن ثم الانتقال إلى قسم الرسم.

منذ القدم وخلال الحضارات المتعاقبة التي مرت بها فلسطين عرفت صناعة الزجاج اليدوي، التي تطورت بشكل واضح بعد دخول الإسلام، حيث ابتكرت أساليب متنوعة في الألوان والزخارف، ويتركز هذا النوع من الصناعة في مدينة الخليل، حيث يوجد فيها ثلاثة مصانع، تستخدم تقنيات يدوية بشكل كامل.

مقصد للسياح

ويشير النتشة إلى أن تلك الصناعة مرت بالكثير من المعيقات الاقتصادية والظروف الصعبة التي مرت على فلسطين خلال قرون عدة. 

وبين أن الإقبال المحلي على شراء التحف الزجاجية ضعيف بسبب قلة اهتمام البعض بالتراث والأشغال اليدوية، وارتفاع سعره يعود إلى طبيعة الحرف واعتمادها كليًا على الصناعة اليدوية، فسعر الكأس الواحد منه يساوي ستة أضعاف ما هو معروض في الأسواق، ولكن طبيعة هذا المنتج تجذب الأجانب والسياح، رغم أنها لا تلبي طموحاتهم.

ويلفت النتشة إلى أن هذه العقبات تهدد مستقبل الصناعة والإرث التاريخي الذي تهتم به الخليل، ما قد يدفع البعض لإغلاق مصانعهم التي تعد مصدر رزقهم الوحيد بسبب تكبدهم خسائر يومية.

واستطاع في فترة من الفترات أن يمثل فلسطين في هذه الحرفة بعدة دول بالعالم، وأوجد له مكانًا لترويج وبيع منتجه الزجاجي الذي يحمل صبغة التراث الفلسطيني والصناعة اليدوية الخزفية في الأسواق العربية والعالمية من خلال تصديرها.