لم تحصل هي وزوجها على فرصة عمل دائم في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة، فقررت تحويل شغفها بالزراعة لمشروع تقتات منه "لقمة العيش" لأسرتها، لكن صواريخ الاحتلال الإسرائيلي لم تمهله كثيراً فأحالته لركام، وبعد انقشاع غبار الحرب الإسرائيلية على غزة ظل الشغل الشاغل للشابة ولاء عبد المنعم إعادة إحياء مشروعها، إلى أن تمكنت من ذلك أخيراً.
فالمهندسة الزراعية ولاء عبد المنعم 34 عاماً تحمل شهادة في الإنتاج النباتي والوقاية من الأمراض، ولم تتح لها فرصة الالتحاق بسوق العمل المتخم بالبطالة وندرة الفرص، سوى لفترات محدودة، "فقد أتيح لي العمل ببعض العقود المؤقتة، وكذلك الوضع نفسه بالنسبة لزوجي".
وأمام الاحتياجات المادية المتزايدة لأسرتها المكونة من خمسة أفراد، فكرت "ولاء" في استغلال دراستها وخبرتها التي اكتسبتها من عقود العمل التي عملت من خلالها لمشروع خاص بها، "فاخترتُ فكرة الزراعة المعلقة للفراولة".
بحثت عبد المنعم عن قطعة أرض مناسبة فاستأجرت دونماً من الأرض في منطقة "العطاطرة" غرب بلدة بيت لاهيا حيث تسكن، وجهزت الأرض بدعم من إحدى المؤسسات للزراعة المعلقة للفراولة في شهر أبريل 2020م، لكن الحرب العدوانية الإسرائيلية على غزة في مايو 2021 قضت على المشروع بكامله.
لم تستسلم عبد المنعم للواقع، فمنذ انتهاء الحرب الإسرائيلية وهي تحاول إعادة إحياء مشروعها، فاستدانت من بعض معارفها.
في حين أمدتها بعض المؤسسات بـ"النايلون" والأسمدة وبعض المستلزمات، فقسمت "ولاء" الأرض إلى قسمين، خصصتُ 400 متر منها لدفيئات الزراعة المعلقة، وزرعت بقية الأرض بمحاصيل موسمية كالباذنجان بشكل عضوي للاستخدام المنزلي.
وخصصت "ولاء" جزءاً من الأرض للجلسات العائلية، حيث تستأجرها عائلات للتنزه فيها، وشرب العصائر الطبيعية، "بحمد الله كان لدي إنتاج وفير لهذا العام، سوقته في السوق المحلي وفي الضفة الغربية".
يُزرع محصول الفراولة المعلّقة داخل صومعات زراعية، وفي أحواض ضيقة ومعلقة في داخلها تربة عضوية منتجة من مخلفات زراعية، وتروى بطريقة التنقيط وباستخدام مياه الأمطار المجمعة من سطح الصومعات والمياه الجوفية.
أوفر وآمن صحيًّا
إن إنتاج محصول من الفراولة المعلقة يفوق إنتاج نظيره في الزراعة التقليدية، فالدونم الواحد منها ينتج ثلاثة أضعاف التقليدي الذي يخرج 7500 شتلة، في حين المعلقة تنتج 21 ألف شتلة في الدونم، كما توفر مياها بنسبة 80% عن التقليدية، وهي أسهل في الزراعة والقطف بالنسبة للعمال، وأنظف وأرتب وأكثر جودة، وذات منظر جذاب، ما شكَّل دفعة قوية لكثير من المزارعين للتحول إلى هذا النوع من الزراعة، ووفر مساحات خضراء لاستجمام الوافدين إليها.
وتلفت إلى أن منتجها سعره أغلى من نظيره في السوق لكونه منتجًا "آمنًا صحيًا"، "فأنا أزرع ضمن تربية صناعية بإنتاج بمعدل ثلاثة أضعاف الزراعة التقليدية، كما أن هذه التربة تجعل المنتج بعيداً عن مشكلات التربة الاعتيادية بجانب أنني أغذيه بمغذيات طبيعية بعيداً عن الأسمدة الكيماوية، في حين أستغل الماء الراجع من الزراعة في زراعة محاصيل أخرى".
ولكون المنتجات طبيعية يجعلها تحتفظ بنكهتها اللذيذة بشكل أكثر من أقرانها التي تستعمل معها الأسمدة الكيماوية، كما أن الأشجار المزروعة تقليدياً ينتهي محصولها في نهاية أبريل، في حين ينتهي المحصول لديَّ في شهر يونيو.
وتقصد "ولاء" وزوجها أرضهما صباحاً يومياً لتعمل فيها لعدة ساعات في بداية الموسم للري والاعتناء بالمحصول، "وفي فترة الحصاد أذهب للأرض يوماً بعد يوم أو مرتين في الأسبوع، ومع انتهاء الموسم، أنتج الأشتال لزراعتها في الموسم القادم وبيع جزء منها في السوق المحلي.
وتعتقد "ولاء" أن ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق أخيراً سيحول دون تحقيق حلمها بتوسيع مشروعها، "لقد ارتفعت الأسعار بشكل باهظ، فأصبحت جميع المستلزمات سعرها ثلاثة أضعاف سعرها السابق ما يقلل هامش الربح ويجعل تكاليف الإنتاج عالية جداً".
وتقول: "هكذا هي الحياة في غزة، جميعنا لدينا أفكار ومشاريع رائدة لكن الظروف غير مستقرة أبداً، ما يجعل عنصر المخاطرة في أي مشروع مرتفعاً جداً، فالعقبات كبيرة".