أصدر الرئيس محمود عباس مرسومًا رئاسيًّا بتعيين حسين الشيخ أمينًا لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو ثاني أرفع منصب في اللجنة التنفيذية، ولسان حال الرئيس عباس يقول: إنني أرشح الشيخ خلفًا لي في حال حدث أي طارئ بعد أن بلغت من الكبر عتيًّا.
هذا القرار من وجهة نظر المراقبين يعني أن حسين الشيخ هو خليفة الرئيس محمود عباس في المناصب التي يتولاها وهي: رئيس اللجنة التنفيذية ورئيس السلطة الفلسطينية ورئيس حركة فتح والقائد العام للأجهزة الأمنية. والسؤال المطروح هل هذا التوجه مقبول من الشعب الفلسطيني أولًا ومن اللجنة المركزية لحركة فتح ثانيًا؟ وما علاقة ما يجري بتأجيل المؤتمر الثامن؟ وما أبرز السيناريوهات التي قد تحدث في اليوم الثاني لوفاة الرئيس محمود عباس؟
أولًا- الموقف المحتمل لشعبنا الفلسطيني من احتمالية تقلد حسين الشيخ لمنصب رئيس المنظمة والسلطة:
أغلب أبناء الشعب الفلسطيني العظيم يقبل أن يكون رئيسه منتخبًا وفقط، وعليه لا أظن أن أحدًا يقبل بأن يقوده رئيس يأتي عليهم عبر إملاءات حزبية فلسطينية أو إقليمية أو دولية، أما موقف اللجنة المركزية فقد يكون في ظاهره القبول ولكن في باطنه يطرح سؤال لماذا حسين؟ ولسان حال أغلب أعضاء اللجنة المركزية وقادة الأجهزة الأمنية يقول: أنا أجدر، وهنا يبدأ صراع تنافسي يطرح سيناريوهات مختلفة سنأتي على ذكرها في ختام المقال.
ثانيًا- احتمالية علاقة تأجيل المؤتمر الثامن بترتيبات تقلد حسين الشيخ منصب الرئيس:
في تقديري أن هناك خشية من المؤتمر الثامن لحركة فتح وعليه تم تأجيله مرتين، وربما لا يعقد قبل إتمام الترتيبات التي تضمن تنصيب حسين الشيخ لهذا المنصب -هذا تقدير لا يستند إلى أي معلومات- ولكنه مرجح ما لم يحدث العكس، لأن الرئيس عباس يخشى انقلابًا ناعمًا ديمقراطيًا لو عقد المؤتمر الثامن من القيادة الوسطى التي تشهد حالة غليان في ظل تراجع شعبية فتح ومؤشرات ذلك الانتخابات الأخيرة (المحلية -الأطباء -بيرزيت)، وعليه يرجح أن يكون تأجيل المؤتمر إلى ما بعد التأكد من النتائج التي تمنح الترتيبات الأخيرة المتعلقة بمكانة حسين الشيخ، أو أن يكون المؤتمر بعد تكليف حسين الشيخ بالرئاسة، وفي هذا الحالة يبدأ السيد حسين بخطوات وإصلاحات جوهرية تمس شعبنا الفلسطيني عمومًا، الكادر الفتحاوي على وجه الخصوص، مثل: (اتخاذ قرارات صرف الرواتب كاملة والمستحقات المالية ومخصصات الشؤون واعتماد الرتب والحوافز -وفتح مجال لتعيينات الشباب -ومحاربة الفساد إلخ). ثم بعد ذلك يدعو للمؤتمر الثامن الذي يضمن فوزه بمنصب رئيس الحركة حسب ما يعتقد.
ثالثًا- أبرز السيناريوهات لليوم الثاني لوفاة الرئيس محمود عباس:
بعد الانتهاء من دبلوماسية الجنازات، ونشر سيل التعازي والمواساة لشعبنا من الداخل والخارج بوفاة الرئيس محمود عباس وذكر أبرز المحطات السياسية في حياته، ومع انتهاء اليوم الأول، يبدأ بروز السيناريوهات التالية:
1. سيناريو اللجوء للقانون الأساسي المعدل:
ينص على تقلد منصب الرئيس لستين يومًا رئيس المجلس التشريعي وهو الدكتور عزيز دويك من حركة حماس، وهذا تحدٍّ كبير للمجتمع الدولي، وهو ما يفسر دوافع قرار المحكمة الدستورية بتأييد مرسوم الرئيس عباس بحل المجلس التشريعي، حتى لا يكون هذا السيناريو ممكنًا وعليه ووفقًا لهذا السيناريو سنحاكي المشهد بما يأتي:
الإعلام الرسمي الفلسطيني ينشر بيانًا عن اللجنة التنفيذية وبحضور اللجنة المركزية لحركة فتح يتضمن الآتي: إنه في ظل قرار المحكمة الدستورية بحل المجلس التشريعي فإن الجميع وافق على تقلد منصب رئيس السلطة الفلسطينية، ويتم اختيار إما رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح، أو رئيس المحكمة الدستورية محمد الحج قاسم، على أن تجرى انتخابات رئاسية في غضون ستين يومًا. وهذا السيناريو ربما يقضي على طموحات وتطلعات الرئيس عباس وأيضًا حركة فتح لأنه يحتمل مشاركة خصوم الحركة (حماس -اليسار -التيار الإصلاحي) خلف مرشح ينافس مرشح حركة فتح.
وقد تتمسك حماس بمنصب الرئيس لمدة ستين يومًا عبر سيناريو يتمثل في اعتذار عزيز دويك وانتقال المنصب للنائب الأول أحمد بحر، وتتعاطى حركة حماس وفقًا لهذا السيناريو أنها تمتلك الشرعية الدستورية في اتخاذ القرارات والمراسيم.
2. سيناريو تعيين حسين الشيخ لقيادة السلطة والمنظمة:
هذا سيناريو مرجح وهو الأسهل لتنفيذ توجهات الرئيس عباس من حيث إعلان الإعلام الرسمي بأن من يقود المرحلة القادمة في ظل تعثر الانتخابات واللجوء للقانون الأساسي المعدل فإن القرار بموافقة اللجنة التنفيذية والمركزية لحركة فتح هو حسين الشيخ.
وقد يغلف ذلك بتصويت المجلس المركزي على القرار، وربما المحكمة الدستورية تفسر صوابيته وأنه يخدم المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني.
3. سيناريو الفوضى:
ليس بعيدًا أن يغيب العقل وتظهر العضلات لحسم المشهد لصالح تيار معين يمتلك المال والسلاح، ويرفض أي من السيناريوهات، ولكل تيار توجهاته وأسبابه، ولكن في المحصلة نكون على موعد مع الفراغ والفوضى، وهو سيناريو مكلف على الجميع بما فيه الاحتلال الإسرائيلي.
4. سيناريو الهبة الشعبية:
بموجبه تخرج جماهير شعبنا لحماية الدستور، والمطالبة بانتخابات حرة في كل المؤسسات السياسية، وهذا ربما يقابل بالقمع أو القبول ويبقى أفضل السيناريوهات وهو السيناريو المرجح لأي من السيناريوهات السابقة، لأن صمت الشعب وعدم اكتراثه يرجح سيناريو 2 أو 3.
الخلاصة: حتى لا ندخل تيهًا سياسيًّا جديدًا يأخذ الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية إلى مآلات قد تضر بالمشروع الوطني الفلسطيني، وبالسلم المجتمعي. أرى أن الحل الأمثل يبدأ من عند الرئيس وهو على قيد الحياة عبر العمل على إحدى مسارين، الأول: الدعوة إلى انتخابات عامة وشاملة.
الثاني: دفع المجلس المركزي في ظل حل المجلس التشريعي لتغيير جديد في القانون الأساسي بموجبه يصبح النظام السياسي الفلسطيني نظامًا برلمانيًّا، وتنقل كل صلاحيات الرئيس لرئيس الحكومة ويبقى مكانة الرئيس محفوظة كرئيس فخري للشعب الفلسطيني إلى حين وفاته.