فلسطين أون لاين

سلاح الشائعة

 

تحاول المخابرات الإسرائيلية جاهدة أن تستغل مواطن الضعف والفرقة في الساحة الفلسطينية وتغذيتها بما يخدم مصلحة أمنها تارة، وتدمير الجبهة الداخلية الفلسطينية تارة أخرى، والمركز المهم في هذه المعادلة هو اللعب على وتر الأحقاد أو المواقف وغيرها.

في حالة الشعب الفلسطيني الذي تُرك وحيدا في مواجهةِ ليس الآلة العسكرية وحسب وإنما الماكينة الإعلامية الإسرائيلية والحرب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية ليكون لديهم معادلة متكاملة تبدأ بالتدمير النفسي ولا تنتهي بالصاروخ والرصاصة والحرب.

الشائعة، ذلك السلاح الذي لا يحتاج لتجهيزات ولا إمكانات ولا جنود منظمين ولا ميزانيات حماية وإسناد وتشغيل، هي السلاح الذي يفتك بالجبهة الداخلية لتسهيل مرور الدبابة والقتل بروح معنوية تكاد تكون صفرا، فهي السلاح الذي يشل الحركة ويحدث الفتنة والفرقة ويجعلنا شتى بعد أن كنا جميعا.

على صعيد الفصائل بات سلاح الشائعة جنوده أبناء التنظيمات أنفسهم من حيث لا يحتسبون؛ فتجد معلومة مغلوطة بحق تنظيم معين يتم نشرها في الشارع من قبل الاحتلال وتصبح حقيقة على طاولة الجدل في شبكات التواصل تعزز الكراهية وتهدر الوقت وتفتح باب التخوين والنفي والشتم وغيرها من الجوانب التي لا يستفيد منها إلا من نشرها ليستفرد بالروح المعنوية.

وكذا حدث حقيقي على أرض الواقع يتم استخدام الشائعة في تحويل مساره إلى ما تريده مخابرات الاحتلال فيصنع من الحقائق إطارا مهما لعمله.

والشائعة أيضا وفي إطار الاستباقية والحرب النفسية تعمل على ما يكون بحوزتهم من معلومات تربك الشارع قبيل الحدث فيتم ضخها ليحبط المستهدف ويضلل الشارع ويجعل لها مسارا مختلفا ودون بذل أي جهد.

هناك حيث الفصائل والأخطاء لدى أفرادها كثيرة، يستخدم الاحتلال هذا السلاح بقوة وينميه سواء داخل السجون أو خارجها ليجعل منه أداة قوية على أقل تقدير تفكك روابط الوحدة وتشتت الجهود وتبطئ التقدم سواء في لملمة مشكلة أو تطوير المقاومة أو المواجهة لجلب الحقوق، أو الصورة العامة للقضية الفلسطينية في أذهان الناس.

زاوية أخرى ترى فيها الشائعة نارا في هشيم الفتنة كما المشكلات العائلية التي أثبتت الوقائع أن جل شراراتها الشائعات التحريضية بين العائلات وتغذيتها بحقائق تركب على الشائعة بؤرة مشكلة لاحقا تكون حدثا كبيرا يصطف فيه الناس إلى قسمين وتحرق المنازل ويراق الدم وتتعكر النفوس وتتشتت الروح المعنوية، وبهذا يكون الاحتلال أمَّن جيدا قوة الفلسطينيين مجتمعة وجعلها موجهة بطريقته وكيفما يريد.

وزاوية ثالثة في هذا السلاح المرعب الذي وجب أن تجهز كل إمكانات الشعب ومؤسساته في تدميره؛ هي الحرب الأخلاقية التي تجعل في نفوس الناس تقسيما تارة جغرافيا وأخرى تاريخيا وغيره واقعا في وصف الشارع، ما يعني أن تدميرا حتميا للعلاقات الزوجية والاجتماعية والنفسية بين الناس، فيصبغون المنطقة الفلانية بالدعارة وأخرى بالمخدرات وثالثة بالشذوذ ورابعة بالميوعة وخامسة بالسرقة وسادسة بالشعوذة والسحر وسابعة بالتسول وثامنة بالكذب وتاسعة بالشجارات والمشكلات وعاشرة بالسكر والخاوة والفوضى.

طبعا في كل المسارات السابقة يلاقون سهولة كبيرة في نشر القصة؛ ومثال على ذلك أن أحد سائقي التاكسي ذات يوم كان على مفترق الشارع بين بيت لحم والخليل، وقال للركاب انظروا إلى شجرة العنب هذه المسيجة إنها مباعة لمستوطن وضع عليها سياجا، فباشر جل الركاب يشتمون البائع المفترض.

وبعد سنوات من الشائعة المحبطة لآلاف الناس المارة يوميا من هناك تبين أن شركة الماء هي من وضعت السياج الصغير على الدالية الصغيرة؛ لأن محبس الماء فيها وليست لمستوطن أو مباعة أصلا.

الشاهد هنا أن الشائعة باتت رغم عدم مصداقيتها تأخذ طابع الجدل وصولا للمشكلات بين الناس على أصل الرواية، فأولى تقول إن المستوطن كان يأكل منها يوميا فأهداه إياها المالك، وأخرى تقول إن المستوطن أثبت أنه من زرعها فباتت له، وثالثة تقول إن المالك باعها له، وكل هذه المعادلات لا يوجد أصل لها.

والشائعة تطال عرضا وشرفا وكرامة، تطال بيوت الشهداء والأسرى والمقاومين، تستهدف القادة والمؤثرين، تزعزع الثقة وتنسف الجهود، ويبقى مطلقها فرحا بجمهورها الذي يتخبط بين حبه لنشرها من باب حقد أو حسد وتكراره لها من باب التساؤل والمشكلات والبلبلة والوهن في ظل جمهورها الذي يحذف الخطوط الحمراء والأخلاق ويتجاهل وصية القرآن والسنة بحجة أنه مشوش.

هذا كله يجعلنا بحاجة لسلاح الحقيقة واجتناب الشبهات، جنوده نحن جميعا وعقولنا وقلوبنا أدوات لا نخاف في الله لومة لائم ولا نصبح إمّعة بحجة الاستقلال.

مؤسسات وأحزاب وعشائر وأشخاص كلنا مطالبون أن نكون درعا لسيف الحقيقة في وجه ظلم وسلاح يسهل للاحتلال ما لا يحصّله بالمدافع.