مجمل استطلاعات الرأي في "إسرائيل" تعطي لبنيامين نتنياهو أفضلية كبيرة على غيره من الشخصيات السياسية، وذلك رغم تهم الفساد الموجهة لنتنياهو في ثلاثة ملفات خطيرة، إلا أن الناخب الإسرائيلي يعطي الثقة لشخصية نتنياهو، وذلك لعدة اعتبارات، قد يكون البعد الأمني هو الأكثر أهمية في هذه المضمار، فقد تفاخر نتنياهو كثيرًا أمام الجمهور الإسرائيلي بأنه حقق الأمن الذي لم ينجح في تحقيقه كل من سبقه من رؤساء حكومات إسرائيل، وقد يكون الأمن هو مقياس الرضا والغضب لدى الجمهور الإسرائيلي.
لقد أظهرت آخر استطلاعات للرأي أجرتها صحيفة معاريف من جهة، واستطلاعات رأي أخرى نشرتها القناة 13 العبرية، أن نتنياهو سيحصل على نسبة 42% تأييدًا، في الوقت الذي حصل نفتالي بينت، رئيس الوزراء الحالي على نسبة 7% فقط من أصوات المستطلعين، وهذا الفارق الشاسع بين الشخصيتين يعكس حالة من الخلل الأمني الرهيب، والتي تعصف بحياة المجتمع الإسرائيلي.
إن العشق القائم بين شخصية نتنياهو والمجتمع الإسرائيلي تقوم على تحقيق الأمن المنشود، أو استعادة الأمن المفقود، فالمجتمع الإسرائيلي يعيش هذه الأيام بين جدران الخوف والقلق، وأمسى يعمل حسابًا للعقد الثامن من عمر الدولة، كما أشار إلى ذلك أكثر من مسؤول، وهذا الذي يحفز الإسرائيليين للبحث عن شخصية البطل، أو المخلص، وقد وجدوا نموذجهم في شخصية نتنياهو، الذي باعهم الوهم تارة، وقدم لهم الحقيقة تارة أخرى.
الاحتماء بشخصية نتنياهو بمنزلة العودة إلى الماضي، أو الاحتماء بالقوي، وبغض النظر عن ملفات الفساد، فالنجاح في القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية تغطي على ما سواها، وقد نجح نتنياهو في تسويق نفسه أمام الإسرائيليين عبر الإعلام لأكثر من عشر سنوات، نجح خلالها في استعراض الكثير من الإنجازات السياسية، ومن أهمهما تجاهل القضية الفلسطينية، وعدم إجراء أي مفاوضات مع قيادة منظمة التحرير، وعدم إخلاء أي مستوطنة، بل نجح رغم توسع الاستيطان في الانفتاح على الأنظمة العربية، وتوسيع دائرة المطبعين، وتوقيعه لعدة اتفاقيات أمنية واقتصادية مع أكثر من نظام عربي.
خلافًا لنجاح نتنياهو السياسي والأمني والاقتصادي، فقد نجح نتنياهو في تشجع التطرف والعنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي، وقد تكون العنصرية داخل المجتمع الإسرائيلي هي دافع رئيس الوزراء البديل يائير لبيد، ليكتب على صفحته في الفيس بوك، ضد الكراهية، ليقول: اليأس مزاج غبي، وعلينا أن تهزم الكذب، نحن نرفض سياسة التحريض، علينا أن نفكر كيف نعمل معًا، وكيف نعيش معًا، وكيف نحب إسرائيل معًا؟
كيف يعيش الإسرائيليون معًا؟ وكيف يعملون معًا؟ وكيف يحبون بعضهم؟ هذه قضايا مجتمعية تحاكي واقعًا إسرائيليًا يتدهور باتجاه الفشل والانكسار، وينحدر باتجاه الكراهية الداخلية، فالمجتمع الذي تعود أن يصنع الكراهية، وأن يصدرها إلى المحيط العربي، هذا المجتمع الإسرائيلي صار مستهلكًا للكراهية والأحقاد، حتى صارت الكراهية هي البوصلة التي توجه المجتمع الإسرائيلي ليعشق الفرد، ويقدس الشخصية التي يظن أنها ستوفر له الأمن المفقود، ولا سيما بعد أن اهتزت ثقة الإسرائيليين بمستقبله الآمن، من جراء عدة عمليات مقاومة، هزت المدن الإسرائيلية، عمليات مقاومة، أو تلويح غزة بصواريخ المقاومة، وذلك الذي كسر زجاج الأمن الوهمي الذي يعيشه الإسرائيليون.