عند الساعة الثالثة فجرًا أيقظ الصياد محمود الجوراني شقيقه نبيل، مطالبًا إيّاه بالإسراع في الاستيقاظ والاستعداد للإبحار في عرض بحر مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة للبحث عن رزقهما.
بعد تجهيز معدات الصيد والقارب الصغير المعروف باسم "الحسكة"، أبحر الشقيقان نحو ثلاثة أميال بحرية وبدأوا برمي شباكهم نحو الماء، حتى باغتتهم زوارق بحرية الاحتلال الحربية بإطلاق عشرات الطلقات النارية بجوار قاربهم وعلى المولد الكهربائي الصغير له، ورشّهم بخراطيم المياه الضخمة.
على إثر ذلك تعرض محمود للإصابة بالرصاص المطاطي المغلف بالمعدن، واعتقلت بحرية الاحتلال شقيقه، واستولت على مركبهما بعد تعطيله واقتادته إلى ميناء مدينة أسدود المحتلة.
والصياد محمود وشقيقه مثال على آلاف الصيادين الذين يتعرضون يوميًّا لانتهاكات بحرية الاحتلال في عرض البحر، من قمع واعتقال واستيلاء على مراكبهم ومعدات صيدهم.
وحددت اتفاقية "أوسلو" التي وقّعتها منظمة التحرير مع الاحتلال عام 1993 المياه الإقليمية الفلسطينية بـ20 ميلًا بحريًّا، وكان ذلك وقت وقوع قطاع غزة تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر، إلا أنه رغم ما نصّت عليه الاتفاقية لم يُسمح للصيادين بالإبحار فيها، حتى قبل الحصار الذي لا يزال مستمرًّا لم تتجاوز 12 ميلًا بحريًّا.
وأظهرت عمليات الرصد والتوثيق لمركز الميزان لحقوق الإنسان تصاعد انتهاكات الاحتلال بحقّ الصيادين منذ بداية العام الجاري حتى الأول من يونيو/ حزيران.
ورصد المركز (152) انتهاكًا بحقّ الصيادين، واعتقال (35) صيادًا من بينهم (6) أطفال، وإصابة (11) صيادًا من بينهم (3) أطفال، والاستيلاء على (10) مراكب صيد، وإطلاق النار تجاه الصيادين (152) مرة.
يقول محمود لصحيفة "فلسطين": إنّ اعتداءات الاحتلال على الصيادين لم تتوقف منذ سنوات، فهو حوّل بحرهم من مساحة للرزق إلى ساحة قمع وحرب يهاجم فيها الباحثين عن أرزاقهم ويعتدي عليهم.
ولفت إلى تصاعد اعتداءات بحرية الاحتلال في الفترة الأخيرة، حيث لا يكاد يوم يمرُّ إلا وتطلق زوارقه الحربية النار على مراكب الصيادين وتعتقل العشرات وتستولي على معداتهم.
وأشار إلى أنّ الصياد في قطاع غزة يعيش تحت خط الفقر، خاصة مع قلة الأسماك بسبب تقليص الاحتلال المساحة المسموحة للصيد أمام الصيادين، وعدم تجديد معدات الصيد أو إدخال قطع الغيار والصيانة.
بدوره، قال نقيب الصيادين نزار عياش: إنّ بحرية الاحتلال ضاعفت من اعتداءاتها على الصيادين في عرض بحر قطاع غزة.
وأشار عياش في حديثه لـ"فلسطين" إلى أنّ 4500 صياد يعملون في قطاع الصيد يعيلون 50 ألف نسمة، وأنّ هذا القطاع كان يسهم في الاقتصاد الفلسطيني، لكن حاليًّا مع انتهاكات الاحتلال بات ضعيفًا.
وبيّن أنّ سلطات الاحتلال قتلت 15 صيادًا واعتقلت الآلاف وأصابت المئات منهم منذ توقيع "أوسلو" حتى يونيو/ حزيران الجاري.
وأوضح أنّ الاحتلال يحاول إغلاق البحر وتدمير مهنة الصيد، ما يترتب عليه آثار اقتصادية سلبية ووخيمة على قطاع الصيادين وعائلاتهم.