بيدها اليسرى تمسك ولاء نتيل بالخرز وتدخله في رأس إبرة تسندها بكوع يدها اليمنى المبتورة، يتدلى منها خيط أبيض شفاف، "تلضم" به الخرز ذو الألوان البراقة بجوار بعضه، لتصنع ميدالية باسم صاحبتها.
يبدو لك الأمر مستغربًا ولا سيما أن صناعة الإكسسوارات والمشغولات اليدوية تحتاج إلى دقة في العمل، وقوة في اليدين، لكن ولاء أثبتت أن الإبداع لا توقفه أي إعاقة أو نقص في الجسم، بل يتطلب إرادة وإصرار على صنع شيء من لا شيء، والتوقف عن التعلل بالإعاقة.
المشغولات اليدوية سواء من أساور وميداليات وعقود، وأغطية للهواتف، وتوزيعات أفراح، يظهر جمالها في التفاصيل التي تعتني بها ولاء لدى صنعها دون أن تعتقد أنها صنعت بيد واحدة.
ولدت ولاء (19 عامًا) بإعاقة خلقية في اليد اليمنى، وقد تعايشت مع إعاقتها وأكملت دراستها حتى الثانوية العامة، ولكنها لم تستطع إكمال دراستها الجامعية بسبب الظروف المادية الصعبة التي تعانيها أسرتها.
لم تركن ولاء للفراغ والإحباط، فبحثت في عمل أو مشروع يشغل وقتها، وتكتشف معه مواهبها الكامنة والتي لم تفكر أن تحركها من قبل.
تقول ولاء التي تقطن معسكر جباليا شمال قطاع غزة: "بحثت عما يشغل وقتي بشيء مفيد، جُلت في منصات التواصل الاجتماعي عن مشغولات يدوية يمكنني صناعتها، فجذبتني أشكال الميداليات الخرز".
تتابع ولاء لـ"فلسطين": "ادخرت مصروفي الشخصي، وبمبلغ بسيط ابتعت الخرز والخيطان والحلقات، وغيرها من المكونات، وصرت أضع صورة الميدالية على سبيل المثال أمامي، وأجرب كيفية صناعتها بنفسي، وبعد محاولات قليلية أتقنت طريقة صنعها دون تدخل من أحد ولا حتى مشاهدة فيديوهات عنها".
تفاجأت ولاء بالموهبة التي لديها، فلم تتخيل أنها تمتلك موهبة كامنة في داخلها، فبدأت بتعلم صنع مشغولات أخرى وتعلمتها بسرعة، وأصبحت تنتج أعدادًا منها وتبيعها للمقربين منها.
وتردف: "أنشأت صفحة على الانستغرام وأصبحت أنشر صور مشغولاتي، ورويدًا رويدًا صارت الناس تتعرف على أعمالي، وأصبحت تأتيني طلبيات من الزبائن عبر الصفحة".
واجهت ولاء في البداية صعوبة في ربط السِوار بالحلقة الحديدية بعد الانتهاء من "لضم" خرزها، فكانت تستعين بوالدها لكي يربطها لها، وبشيء من التصميم اعتادت في النهاية على الأمر وصارت تقوم بعملها من ألفه إلى يائه بنفسها.
والدا ولاء هما سندها في الحياة، فلم يترددا منذ اللحظة الأولى بدعمها وتشجيعها على البدء بمشروعها مهما كلف الأمر، وعرضا عليها المساعدة ولكنها رفضت حتى تتعلم الاعتماد على نفسها، وفق قولها.
بدأت ولاء بمشروعها منذ أربعة أشهر ولم تتوقع هذا النجاح، وانبهار الناس بعملها رغم أنها تنتج مشغولاتها بيد واحدة بمهارة عالية.
وتشير إلى أنها تمضي من ساعة إلى ساعتين حسب حجم الإكسسوار، وتفاصيله، وأسعار القطع لديها تتراوح ما بين 5 إلى 25 شيقلًا.
وتعبر ولاء عن فخرها بنفسها، لتمكنها من تحدي إعاقتها بإنتاج مشغولات جميلة تستحوذ على إعجاب كل من شاهدها، كما استطاعت تعلم التصوير بزوايا تبرز جمالية القطع التي تنتجها.
وتطمح إلى توسيع مشروعها، وافتتاح معرض خاص تعرض فيه مشغولاتها، وأن يصبح مصدر رزق يمكنها من تحقيق أمنيتها في تركيب طرف صناعي، وإعانتها على الدراسة في الجامعة.
وتبث ولاء رسالة تفاؤل لكل شخص يعاني إعاقة ما في حياته، وتدعوه إلى ترك اليأس جانبًا، والبحث في داخله عن مواهب دفينة لم يكتشفها بعد، قائلة "الإعاقة ليست عائقًا أمام الطموح والسعي والعمل".