فلسطين أون لاين

في الذكرى الـ٥٥ لنكسة حزيران.. انتهى عصر الهزائم

تمر علينا الذكرى الخامسة والخمسون لهزيمة حرب عام ١٩٦٧ المعروفة بـ"نكسة حزيران"، التي تعد ثاني أكبر هزيمة للعرب بعد هزيمة عام 1948 المعروفة بـ"النكبة" وقد احتلت من خلالها (إسرائيل) بقية الأراضي الفلسطينية بما فيها مدينة القدس وأجزاء من سوريا ولبنان والأردن ومصر؛ ومنذ ذلك الوقت رسخت ثقافة الهزيمة في عقول العرب، وانتشرت عندهم مقولة لا يمكن هزيمة هذا الكيان، وأطلقوا عليه لقب "الجيش الذي لا يقهر"، وقد انعكس هذا الحال على الشعب الفلسطيني بالسلب، الذين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر انتصار الجيوش العربية على الاحتلال، وتحرير فلسطين وإرجاع اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها قسرًا، ولكنهم وبعد هاتين الهزيمتين المتتاليتين فقدوا الأمل بالجيوش العربية المهزومة واعتمد الفلسطينيون على أنفسهم في مقاومة الاحتلال وإيقاف هذا التمدد الإسرائيلي على حساب الأراضي الفلسطينية، وهذا لم يتم إلا بعد انتفاضة الحجارة الأولى والانتفاضة الثانية، وقد انسحب الاحتلال من لبنان ثم من غزة، تحت تأثير المقاومة التي هزمته في حروبه التي شنها عليها وكان آخرها هزيمته في معركة سيف القدس، والآن يفكر الاحتلال في الانسحاب من الضفة أمام ضربات المقاومة الموجعة التي تقودها كتيبة جنين ونابلس.

فعلى الرغم من هزيمة العرب فقد شكلت المدة ما بعد حرب ٦٧ تغيرًا دراماتيكيًّا في الصراع مع الاحتلال وهو ما شكل انحدارًا وتآكلًا لقوة الردع الصهيونية، فكانت آخر الانتصارات الإسرائيلية وبداية العد التنازلي للاحتلال، الذي لم يتذوق بعدها طعم الانتصارات، وبدأت الهزائم تتوالى في حرب الكرامة، والاستنزاف، وفي جنوب لبنان، وبعد خروج منظمة التحرير من لبنان إلى تونس في عام ١٩٨٢، الاحتلال وكعادته الإجرام فقد اقترفت قوات الاحتلال مجزرتي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين قتل خلالها آلاف المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن، لاعتقادهم أن هذا الإجرام يساعده على إرجاع الردع، ولم يهنأ الاحتلال طويلًا حتى جاء الانفجار الشعبي من الداخل بانطلاق شرارة الانتفاضة الأولى عام ١٩٨٧ من قطاع غزة وسرعان ما انتشرت في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد تحولت المقاومة والمواجهة مع الاحتلال من الخارج إلى الداخل، وقد استمرت لسنوات طويلة مرغت أنف الاحتلال ودكت مضاجعه، وهو ما لم يتوقعه بتاتًا، لاعتقادهم "يموت الكبار وينسون الصغار"، وهذا ما لم يثبت صحته بعد، فانتفاضة 87 جاءت بعد 20 عامًا من النكسة وبعد 40 عامًا من النكبة.

الحقيقة تقول عكس ذلك: "مات الكبار ولم ينسَ الصغار" لاحظ كيف تغير جيل الهزيمة؛ كان الفلسطيني يقوم بقطع أصبع يده حتى لا يتم أخذه للتجنيد مع الجيوش العربية من شدة الخوف، لكن الجيل الذي ولد بعد هزيمة 67 فاجأ الاحتلال وأربك حساباته وفضح جيشه الدموي في الانتفاضة، فالأطفال سبقوا الكبار والنساء كانت تشارك قبل الرجال، فمن حمل الحجارة إلى حمل السلاح والصاروخ إلى سلاح الأنفاق، وصنع الطائرات المسيرة والعوامات المفخخة، وأطلق صواريخ موجهة مثل الكورنيت وستريلا وغيرها من الأسلحة التي تم الكشف عنها والتي لم يتم الكشف عنها، هذا وغزة لا تزال محاصرة ومعزولة عن العالم لما يقارب من خمسة عشر عاما، فكيف بها وهي بكامل حريتها؟ والضفة ليس بأحسن حال في ظل التنسيق والتعاون الأمني بين السلطة والاحتلال، فمنذ مطلع هذا العام وصل عدد الشهداء إلى ٦٣، حتى كتابتي لهذا المقال، والجرحى بالمئات ولم يستثنِ الاحتلال طفلًا ولا امرأة ولا شابًّا ولا شيخًا والكل مستهدف ناهيك بالاعتقالات اليومية، ومصادرة الأراضي وتهجير أصحابها الفلسطينيين في القدس والسبع والاغوار ومسافر يطا، وبناء الاستيطان الجدار.

إن ما نتج عن هذه الحرب للأهمية هو صدور قرار الأمن رقم ٢٤٢، الذي طالب الاحتلال بالانسحاب من الأراضي العربية إلى حدود ما قبل الحرب، وأيضا صدور قرار القمة العربية في الخرطوم بثلاث لاءات وهي: "لا للسلام ولا للاعتراف ولا للتطبيع" مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا يدلل على ثبات العرب في حينه رغم الهزيمة وفي المقابل سجل فشلا سياسيا للاحتلال رغم انتصاره العسكري، لعجزه عن اختراق الجسم العربي بحمل العرب على الاعتراف به والإقرار بوجوده، رغم أن أنور السادات عقد اتفاق سلام "كامب ديفيد" مع (إسرائيل) في عام ١٩٧٧، فرد العرب بمقاطعة مصر لأكثر من عقد، ولكن من خلال اتفاق أوسلو الذي عقد بين الاحتلال ومنظمة التحرير في عام ١٩٩٣، استطاع الاحتلال في السر والعلن إخضاع العرب دولة وراء أخرى للاعتراف والتطبيع الكامل، وبذا نجح الاحتلال في عزل قضية فلسطين وتحييد العرب سياسيا وعسكريا واقتصاديا، واختزال الصراع من صراع عربي إسرائيلي إلى صراع فلسطيني إسرائيلي، والواضح إن اتفاق أوسلو مثل "خدعة سياسية"، فقد اعترفت منظمة التحرير بـ(إسرائيل) وفي المقابل اعترفت الأخيرة بالمنظمة ولم تعترف بدولة فلسطينية، وكان هذا الاتفاق ليس فقط بمنزلة طعنة في خاصرة الانتفاضة التي عجزت سلطات الاحتلال في إنهائها، بل يعد ضربة قاضية للقضية الفلسطينية وها نحن كفلسطينيين نحصد مساوئه منذ ثلاثين عامًا.