قائمة الموقع

مراد العباسي.. مقدسي أبعده الاحتلال قسرًا يتعهد بالعودة مهما طال الإبعاد

2022-06-05T09:10:00+03:00
مراد العباسي وابنته (أرشيف)

"حتى لو أبعدوني قسرًا، يكفي أن لديَّ عنوانًا وبيتًا في القدسِ، لا يمكن أن أنساهما أو أنسى شجرة التين أمام بيتي"، هكذا يحاول مراد العباسي أن يواسي نفسه، ويحكي هذه الكلمات لكل من يقابله ويتحدث معه بعد إبعاده عن القدس بقرار من جيش الاحتلال الإسرائيلي.

لقد أجبر العباسي على ترك القدس، لكن روحه ما زالت عالقة هناك تأبى أن تفارق المكان الذي نشأ وترعرع فيه قبل 42 عامًا قضاها بين أزقة وشوارع العاصمة القدس.

وكان العباسي، وهو أب لـ3 أبناء و3 بنات، أكبرهم (20 عامًا) وأصغرهم (10 أعوام)، يسكن في منزل مستقل في قرية سلوان الواقعة جنوب المسجد الأقصى المبارك، ولا يفصله عن بيت والدته سوى بضعة أمتار.

ومن الطقوس اليومية التي حافظ واعتاد عليها سنوات طويلة، في كل صباح كان يتناول نصف وجبة الفطور مع زوجته وأبنائه ويكمل النصف الآخر مع والدته قبل أن ينطلق إلى عمله بالقدس.

لكن هذا الأمر بات العباسي محرومًا منه بقرار من الاحتلال الذي أقر إبعاده ورفض أي حلول أخرى.

ويستغرب هذا المقدسي بشدة إصرار الاحتلال على إبعاده رغم أنه لم يترك أي وسيلة قانونية للحيلولة دون تنفيذ الإبعاد، لكنها جميعًا باءت بالفشل.

وكان العباسي تعرض لعدة استدعاءات وتحقيقات لدى الاحتلال ووجه له تهم "إثارة المشاكل وعدم احترام (إسرائيل)"، ولم يثبت عليه أنه "شكل أي خطر أمني على (إسرائيل)".

ورغم حصوله على "شهادة حسن سير وسلوك" من شرطة الاحتلال، فإن الجيش قرر الإبعاد بذريعة وجود "ملفات سرية" تستدعي عدم السماح له بالإقامة بالقدس.

أصول مقدسية

وتعود أصول العباسي إلى عائلة ذات أصول مقدسية، إذ إن جده المقدسي كان يعمل في رام الله عندما أكملت (إسرائيل) احتلال مدينة القدس بالكامل في يونيو/ حزيران 1967، ولم يشمله "الإحصاء الإسرائيلي" لمن كانوا في القدس حينها، ولم يحصل على "بطاقة زرقاء" مثل المقدسيين.

وبحلول عام 2001، تزوج العباسي من سيدة مقدسية وأنجبا 3 أبناء و3 بنات، أكبرهم الآن 20 عامًا وأصغرهم 10 أعوام، وقدم بعد زواجه طلب "لم الشمل" لما يسمى "وزارة الداخلية" في حكومة الاحتلال.

ويلجأ المواطنون الفلسطينيون في الأراضي المحتلة في حالات الزواج إلى مثل هذا الإجراء عبر وثائق رسمية، في حال كان أحد الزوجين من الضفة أو قطاع غزة والآخر من القدس أو الداخل المحتل منذ نكبة 1948.

وتمنع سلطات الاحتلال أي فلسطيني لا يحمل "هوية إسرائيلية دائمة أو مؤقتة"، من دخول القدس المحتلة إلا بتصريح أو معاملة "لم شمل" مدرجة لدى "الداخلية الإسرائيلية".

وبحلول 2015، أي بعد 15 عامًا من زواجه، استلم العباسي معاملة "لم الشمل"، وكان يجددها سنويًّا في وزارة داخلية الاحتلال بالقدس، أما قبلها كان يستصدر تصاريح دخول وإقامة دورية مستفيدًا من عمله في مستشفى المقاصد.

ورغم ذلك لم تترك سلطات الاحتلال العباسي، وبقيت وراءه حتى سحبت منه "لم الشمل" في أكتوبر/ تشرين أول 2021. 

وبحلول يناير/ كانون الثاني 2022، سلمت سلطات الاحتلال العباسي أول قرار إبعاد عن القدس، ولم ينفذه حينها ولجأ إلى محامٍ للترافع عنه أمام محاكم الاحتلال.

واستمرت الجهود القانونية حتى تاريخ 19 مايو/ أيار الماضي، إذ تسلم قرارا ثانيا مرفقا بتهديد بالاعتقال والتغريم حال لم ينفذ الإبعاد خلال 14 يومًا من تاريخ استلامه القرار، ولم يتمكن هذه المرة من المماطلة أو التأجيل.

وانتهت المدة المخصصة لتركه القدس، الخميس الماضي، وفضل العباسي البقاء يومًا آخر، الجمعة 5 يونيو/ حزيران الحالي، ليرى أفراد عائلته ويودعهم جميعًا.

فراق وألم

لقد غالبت دموع الفراق الجميع هناك، وبكوا بكاءً شديدًا وهو يتنقل بينهم ويحضنهم واحدًا تلو الآخر أمام كاميرات الصحافة، ولقد بدا صامدًا رغم قرار الإبعاد عن والدته التي كان يفطر معها كل صباح، وزوجته وأبنائه وبناته التي أفنى حياته كلها لأجلهم.

وكان العباسي يعمل مديرًا لمكتب تاكسيات في القدس المحتلة، لكن سلطات الاحتلال ضيقت الخناق عليه قبل أن تجبره على تركه. ولقد توجه بعد إبعاده القسري إلى مدينة رام الله.

ويحتفظ العباسي بذكريات جميلة مع عائلته المقدسية، ويقول إنه لا يمكن له أن ينساها لحظة واحدة؛ فضحكة زوجته وأبنائه والفطور الصباحي مع والدته، وشجرة التين التي زرعها والده قبل سنوات طويلة أمام بيته، كلها عالقة في ذاكرته ولا تكاد تفارقها.

"لن أتخلى عن القدس وعائدٌ لها مهما طال الإبعاد، فعنواني وبيتي ما زالا موجودين في القدس ولن أتخلى عنهما مطلقًا" قال العباسي وبدا مصرًّا على العودة للقدس وعائلته.

وحادثة الإبعاد هذه ليست الأولى من نوعها لمقدسيين، إذ طالت مسبقًا أعدادًا كبيرة من أهالي المدينة ضمن مساعي الاحتلال لإفراغها من سكانها الأصليين وإحلال المستوطنين مكانهم.

وقال الباحث في شؤون القدس من سلوان فخري أبو دياب، إن سلطات الاحتلال تعمل على تفريغ مدينة القدس بشتى الوسائل، وهي تسعى لتغيير التركيبة السكانية لصالح المستوطنين وذلك من خلال الإبعاد وهدم منازل المقدسيين وإجبار ساكنيها على ذلك.

وبين أبو دياب لـ"فلسطين"، أن الاحتلال يلجأ في حالات كثيرة إلى سحب "الهويات الزرقاء" من سكان القدس أو حاملي معاملات لم الشمل.

ونبَّه إلى أن سلطات الاحتلال سحبت "الهوية الزرقاء" من 20 ألف مقدسي منذ إكمال احتلال المدينة سنة 1967، أي قبل 55 سنة، وأبعدتهم عن القدس إلى مدن ومحافظات الضفة الغربية، ويتوقع أن يكون هذا العدد تضاعف عدة مرات.

وشدَّد على أن إجراءات الإبعاد الإسرائيلية التي تطال مواطنين مقدسيين؛ مخالفة للقانون الدولي وقوانين حقوق الإنسان، وقرارات الأمم المتحدة، والتي تمنع جميعها تغير الطابع الجغرافي والديموغرافي في الأراضي المحتلة، لكن (إسرائيل) تضرب بكل ذلك عرض الحائط.

اخبار ذات صلة