(بينيت) رئيس وزراء حكومة الاحتلال، ورئيس حزب يمينا الديني، يخشى في تصريح لافت للنظر قبل أيام معدودة من زوال دولة (إسرائيل) بأسباب داخلية. هو يرى أن العقد الثامن من عمر دولته عقد الإحساس بالخطر والخوف على بقاء الدولة. هو يقول إن مملكة (إسرائيل) الأولى انهارت بعد ثمانين سنة من نشأتها، وأن المملكة الثانية انهارت بعد سبع وسبعين سنة من نشأتها، وكان الانهيار في المرتين بأسباب داخلية ذاتية هيأت الطريق أمام الأسباب الخارجية. (بينيت) يرى أن البيئة الداخلية في (إسرائيل) اليوم تشبه البيئة التي كانت عند انهيار المملكتين السابقتين، لذا فهو يدق ناقوس الخطر، ويعظم عامل الخوف، لكي يبني وقاية من الانهيار القادم.
ما قاله بينيت عن توفر فرص انهيار الدولة في عقدها الثامن بشكل لافت للنظر، قاله قبل ذلك (ايهود باراك) رئيس وزراء سابق، وقاله في تصريح مقتضب (غانتس) وزير الدفاع المشارك في حكومة بينيت، ومن قبل هؤلاء قاله المؤرخ الصهيوني المعاصر والباحث في تاريخ الدولة اليهودية (بيني موريس) وهو أحد أشهر وجوه حركة المؤرخين الجدد، وهو مصطلح يطلق على مجموعة من المؤرخين الذين نقضوا الرواية الإسرائيلية المعتمدة لتاريخ الصراع مع العرب، واعترفوا بما ارتكبه الصهاينة من قتل وتهجير، حيث صرح لصحيفة هآرتس حول فرص (إسرائيل) في البقاء كدولة يهودية قائلا: "لا أرى لنا مخرجا"، وأن الفرص ضعيفة بل منعدمة، وقد أيد تصريحه بأدلة ذات علاقة بالأوضاع الداخلية للدولة والمجتمع والتي تبدو ممزقة بشكل غير مسبوق، وبأسباب خارجية تتعلق بالصراع وبالديموغرافيا.
لم يكن موريس المؤرخ الوحيد الذي أعلن عن توقعاته هذه، بل أعلن عن مثلها عدد آخر من المؤرخين والحاخامات اليهود، والمقال لا يتسع للمقاربة التفصيلية. ولكن من المهم القول بأن المؤرخ المصري (عبد الوهاب المسيري) الذي أمضى ربع قرن في تأليف موسوعته عن الصهيونية، توقع انهيار دولة (إسرائيل) الحديثة كما انهارت المملكتان السابقتان بفعل أسباب داخلية ذاتية أولا، ثم بتأثير خارجية ثانيا.
ما من شك أن (بينيت) رئيس الوزراء الحالي على علم ومعرفة بهذه التوقعات التي تعددت وتنوعت مصادرها، لذا وجدناه يستخدمها هو شخصيا في تصريح له مؤخرا بغرض ربما هو الإقرار بالحقيقة الوجدانية داخله، وإما بغرض تعظيم الخوف، ودفع الإسرائيليين إلى دعم حكومته، وتجنب الصراعات الحزبية الداخلية، والانتخابات المتكررة.
وفي نظري إن من يكرر ما يقوله المؤرخون اليهود يكون هو على درجة من الاعتقاد الشخصي بما يقولون. أي هو يقول ذلك عن قدر من الاقتناع، حتى وإن قاله لأسباب سياسية وحزبية داخلية يرى أنها يمكن أن تخدم بقاء حكومته.
ما يهمنا نحن الفلسطينيين هو الاعتقاد أولا بأن دولة الاحتلال إلى انهيار حتمي لا محالة قادم. وثانيا يجدر بنا أن نعظم الأمل لدى جيل الشباب بقرب انهيار دولة الاحتلال، وأن نتوقف ثالثا عن بذل التنازلات المجانية لهم من خلال ما يسمونه المفاوضات أو عامل القوة العسكرية لدولة الاحتلال. وأن ندعم رابعا مقاومة شعبنا باعتبار أن المقاومة هي أهم عامل خارجي في انهيار الدولة أو زوال الاحتلال. ومن ثمة يجب ألا تكون إستراتيجيتنا هي البحث عن النصر، بل العمل على انهيار الاحتلال، وتدفيعه الثمن.