فلسطين أون لاين

​شاهين.. بساقٍ واحدة وطرفٍ صناعي تخطّت الحواجز

...
غزة - هدى الدلو

اتخذت من الثقة بنفسها رفيقة لها على مدار سنوات عمرها، وسلاحًا امتشقته لتشهره في وجه الظروف التي تعيقها، وتجاهلت نظرات من حولها وحديثهم المشفق عنها، فبإرادتها ستصل إلى ما تريد، خاصة أنها تؤمن أن الإعاقة ليست إعاقة الجسد، وإنما هي إعاقة العقل والتفكير وعدم القدرة على تطوير الذات وتحقيق طموحها.

هبة الله سيف الدين شاهين (17 عامًا) تعاني من بتر في قدمها اليسرى بسبب عيب خلقي منذ الولادة، ففي حالة نادرة ينمو خيط رفيع حول عضو معين بجسم الجنين يؤدي إلى بتره، وهذا ما أصابها.

انتظر والداها قدومها بشغف، خاصة أنها الابنة البكر لهما، لتزين عالمهما، رغم علمهما المسبق بحالة البتر الخلقي الذي ستولد به، وقد تركت الإعاقة الجسدية أثرًا في حياة الابنة والأبوين، ومتّعت الفتاة بإصرار وإرادة للوصول إلى طموحاتها وبالتحدي لإثبات ذاتها.

رفيق حياتها

اتخذ الأبوان قرارًا مفاده أن لا إعاقة ستقف في وجه طفلتهما، فكرّسا جهودهما ووقتهما في رعايتها، وعملا على إيجاد الأجواء المناسبة لها لتعيش حياتها دون عقبات.

وقالت شاهين في حوار مع "فلسطين": "تم تركيب الطرف الصناعي لي في عمر مبكر، إذ لم عمري يتجاوز العام الواحد"، لافتة إلى أن الأطباء نصحوا بتأخير الأمر قليلا لتتمكن الطفلة من موازنة جسمها، ولتكون أكثر قدرة على المشي بشكل متقن، إلا أن إرادتها كانت أقوى، ما دفع والداها إلى تركيب طرف صناعي لتبدأ خطواتها الأولى به ويصبح رفيقها في الحياة.

لم تخجل شاهين من الطرف الصناعي الذي عدّته جزءًا منها، ولم تخفِهِ تحت ملابسها، بل كانت تتعمد إظهاره أمام الجميع وتتحرك بكل ثقة.

وبيّنت: "رغم ذلك، الأمر لا يخلو من عقبات واجهتها في ذلك الوقت، مثل عدم توفر المعدات اللازمة للطرف الصناعي لتغييره بما يتناسب مع طولي ونموّي".

في الثامنة من عمرها لاحظت والدتها انجذابها نحو الخيل، إذ كانت تجمع ألعابًا على هيئة الخيل، وكذلك تشدّها الصور والرسومات التي فيها خيول، فما كان من أهلها إلا أن ألحقوها بنادي الفروسية لتخوض التجربة الرياضية، وكان لهذه الخطوة دور في تغيير مسار حياتها، وجعلها فردًا قادرًا على العمل والعطاء.

روح واحدة

وأوضحت شاهين أن تجربتها كانت صعبة في بداية التحاقها بالنادي، إلا أنها قبلت التحدي، وأثبتت لنفسها أنها تستطيع أن تتخطى حواجز الخوف والرهبة، تمامًا كما تقفز عن الحاجز وهي ممتطية فرسها.

واصلت تدريباتها، وأتقنت هذه الرياضة، لتصل إلى رغبتها بالمشاركة في مسابقات وبطولات.

وتحدّثت عن شعورها أثناء ركوبها الخيل: "من أسعد لحظاتي، أشعر بأني والخيل روح واحدة، وأنسج معه علاقة قوية، وأصبح كطير محلق في الهواء دون قيود، وخاصة بعد تخطي الحواجز بثبات".

وأشارت شاهين إلى أن رياضة ركوب الخيل صعبة، وتحتاج إلى تكتيكات وقوة وتركيز، وعدم التفات إلى انتقادات الآخرين ورسائلهم السلبية التي يدسونها في نفوس من حولهم، ما أوجب عليها السعي بإصرار وعزيمة.

لم تتوقف عند ممارسة رياضة ركوب الخيل، بل لديها ميول نحو العزف على "الجيتار" مع موهبة في السباحة، وحب اللياقة البدنية لتقوية عضلات جسدها ولتُكسبها أيضًا العزيمة والثقة بالنفس.

وبينت: "بلا أدنى شك، انعكست ممارستي للرياضة على روحي بشكل إيجابي، وأيضًا على قراراتي المستقبلية، لأني أشعر بالنجاح عندما أجيد القفز عن الحواجز من علو 60سم ثم 70سم، وحاليًا أتدرب للقفز عن ارتفاع 100سم، وأتمنى أن أصبح نموذجًا إيجابيًا لأقراني، ومن أصحاب الهمة العالية".

رياضيًا، تطمح شاهين لتمثيل فلسطين في مسابقات عالمية لركوب الخيل، أما على صعيد الدراسة فهي تخطط لدراسة الصحافة والإعلام بعد إنهاء الثانوية العامة، لتصبح صحفية كوالدها.