فلسطين أون لاين

"حليمة سرابطة".. صمّاء تُعلم الأطفال الموسيقى

...
حليمة سرابطة
رام الله-غزة/ مريم الشوبكي:

تجلس حليمة سرابطة ويلتف حولها مجموعة أطفال يعانون إعاقات سمعية، تمسك أداة وتهزّها لتصدر صوتًا موسيقيًّا "خشخشة"، والجميع يقلّدها، تفاعلهم مع حركاتها يُدهش الناظر إليها، فهي لا تسمع وكذلك معظمهم لا يسمعون.

دورة تعليم الموسيقى للصمّ بدى الأمر غريبًا على سرابطة حينما عرض عليها أن تخوضها، وبعدما لامست نتائج مُبهرة عليها وعلى الأطفال الذين درّبتهم، عزمت على الاستمرار في هذا المجال الذي بدأته منذ أكثر من عشر سنوات. 

سرابطة (38 عامًا) من رام الله، درست التربية الخاصة في الأردن، متزوجة ولديها طفلان، وُلدت بإعاقة سمعية، رغم ذلك أصبحت تعمل اختصاصية علاج بالموسيقى، تقوم بتعليم الأطفال الذين يُعانون إعاقاتٍ سمعية، وتعمل مع منظمة موسيقيين بلا حدود.

تقول سرابطة لـ "فلسطين": "بعدما عُدت إلى فلسطين بدأت أبحث عن فرصة عمل في مجال التربية الخاصة، وكان هناك مشكلة في الحصول على وظيفة، إلى أن اقترحت عليّ شقيقتي التي تعمل مترجمة لغة إشارة لذوي الاحتياجات الخاصة بالحصول على دورة لتعليم الموسيقى للصم".

تردف: "في البداية حينما بدأت في 2011م، كنت أعتقد أنّ الأمر سيكون صعبًا للغاية، وتساءلت: ماذا يعني تدريب الموسيقى للصم، واليوم عرفت أنّ لها فوائد عظيمة عليهم، بدأت بتدريب الموسيقى لكي آخذ معلومات وتزيد خبرتي".

وتتابع: "بعدما خضعت لتدريب، أصبحت مدربة، في البداية لم يكن الأمر هيّنًا، حيث كنت أبكي بسبب صعوبة التعامل مع الصم وسلوكياتهم العنيفة".

وتستخدم الورق والمطاط، والأدوات الموسيقية، والطبلة، وحركة الجسم، أحيانًا موسيقى وأغاني مع لغة الإشارة، وأحيانا تُدخل فنونًا خلال تدريب الأطفال.

وبعدما انخرطت سرابطة في تدريب الأطفال الصم على الموسيقى، لامست نتائج إيجابية كانخفاض حدّة العنف لديهم، وتعديل سلوكهم، وتنمية مهارة الإصغاء لديهم.

إصرار يواجه السخرية

تطوّعت حليمة وما زالت في العديد من المؤسسات الفلسطينية، وحصلت على فرصة للتدريب في مجال الموسيقى مع مؤسسة موسيقيين بلا حدود الدولية، وحازت اهتمام المدربين، وحصلت على المرتبة الأولى في إحدى مراحل التدريب التي استمرت عامًا كاملًا، بسبب لغة الجسد المميزة التي تحظى بها، "جَذبتُ كل المتدربين والذين كنت أتعامل معهم، خاصة الأطفال، وبعد عامين تمكنتُ من البدء بإعطاء دورات تدريبية في مجال الموسيقى للأطفال" بحسب سرابطة.

وبعد عدة سنوات تعاملت فيها حليمة مع مؤسسات مثل الهلال الأحمر الفلسطيني، تكونت لديها خبرة جيدة في موضوع العلاج بالموسيقى، وأصبح لديها ورشات دورية في هذا المجال.

وتشير سرابطة إلى أنها حينما عندما بدأت بتعلم الموسيقى كان من حولها يستغربون من إصرارها على تعلم الموسيقى وهي صماء، كان هذا التحدي الأكبر بالنسبة لها"، كانوا يسخرون مني، وكنت أرى الاستهزاء في وجوههم وضحكاتهم".

تستدرك قائلة: "ولكني كنت قوية ولم أخجل من الوقوف والاستمرار، أصدقائي ومن حولي يسألونني كيف أُعلِّم الموسيقى لذوي الاحتياجات الخاصة، ولا سيّما الصم، أجيبهم دائما بدعوتهم لحضور حصصي ونشاطاتي الموسيقية مع الأطفال، وعندما يحضرون معي تتضح لهم الفكرة".

وتنبه سرابطة إلى أنها تعتمد على الموسيقى بوصفها علاجًا لتفريغ الضغط الذي يعانونه، قائلة: "نحن -بصفتنا شعبًا- علينا كثير من الضغوطات مثل الاحتلال والقتل، العلاج بالموسيقى يخفف من الضغط والمصاعب، يجب أن نتعامل بإيجابية مع مشكلاتنا كي لا نخسر أنفسنا والشباب".

وتؤكد أنها بصفتها امرأة صماء تحب أن ترى كل النساء من الصم وذوي الاحتياجات الخاصة ناجحات وحاصلات على فرصهن في المجتمع، مطالبة كل النساء أن يكن قويات.

وتحلم الشابة الفلسطينية بإنشاء مركز لتعليم الموسيقى للأطفال الفلسطينيين ذوي الإعاقة من الصم.

وتختم سرابطة حديثها: "بعد تهميشي عدة مرات أوجه كلمة لكل شخص، ومؤسسة رفضت عملي لأني صماء أنني استطعت أن أفعل ما لم يستطيعوا فعله".