اختتم الاحتلال الإسرائيلي أمس المناورات العسكرية الأوسع والأشمل في تاريخه التي جاءت تحت عنوان (عربات النار)، لكن في الحقيقة عكست هذه المناورات المخاطر والتحديات التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي بعد 75 عامًا من إنشائه، وأن هذه المناورات ركزت على الحفاظ على الكيان وجوده في مواجهة ما أسمه تعدد الساحات والجبهات، بحيث تعمل كل الأذرع العسكرية المختلفة و المتعددة في إطار واحد لمواجهة حرب شاملة مع المقاومة.
السنوات الأخيرة أظهرت بلا شك عناصر ونقاط ضعف الاحتلال الإسرائيلي وخاصة على الصعيد العسكري، كما أظهرت تراجعًا واضحًا لدى قيادة الاحتلال.
الذهاب إلى هذه المناورات طرح كثيرًا من الأسئلة حول ضعف الكيان وتراجعه في كافة المجالات وانعزاله على ذاته، بل أكثر من ذلك أن هناك أسئلة حول اختفائه وانهياره، وبينهم قادة سياسيون وعسكريون إسرائيليون سابقون، بل وصل الأمر برئيس وزراء الاحتلال الحالي نيفتالي بينيت أن يطرح أمام الإسرائيليين خشيته من انهيار الكيان نتاج تفكك داخلي وعدم قدرته على مواجهة الصعاب والتحديات الخارجية.
عوامل انهيار الكيان الصهيوني أصبحت واضحة وضوح الشمس، ومنها تراجع في العقيدة القتالية لجيش الاحتلال إلى جانب التفكك الداخلي ما بين طوائفه المختلفة يضاف إلى ذلك قوة وصلابة المقاومة في الجبهات والساحات المختلفة التي شهدت اشتعالًا متواصلا خلال السنوات الأخيرة وأصبحت أكثر قوة ومتانة، حيث إن هناك مقاومة شرسة متماسكة أقرب إلى الجيش النظامي في قطاع غزة وميدانًا مشتعلًا على مدار الوقت في الضفة الغربية وكذلك يواجه مخاطر على الجبهات الخارجية وخاصة الجبهة مع لبنان.
وقد يفسر ذلك بما شاهدته مسيرة الإعلام التي نظمتها الأحزاب الصهيونية الأسبوع الماضي التي طرحت سؤالًا كبيرًا على المسؤولين الصهاينة حول سيادة الاحتلال الإسرائيلي على القدس المحتلة وغياب الهوية الصهيونية بعد 75 عامًا من بناء كيان الاحتلال و55 عاما على تهويد القدس وكافة المشاريع الاستيطانية التي كانت تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من القدس وعزل المدينة المقدسة عن محيطها الفلسطيني، يضاف إلى ذلك أن معركة سيف القدس أثبتت للاحتلال الإسرائيلي أن الفلسطينيين في الداخل المحتل لا يزالون متمسكين بهويتهم الوطنية وانتمائهم للأرض في بئر السبع واللد والرملة والناصرة وكفر قاسم وام الفحم و كافة المدن الفلسطينية بل أنهم قادوا مسيرات وعملًا مقاومًا خلال الأشهر الأخيرة في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
وثبت أن إجراءات الاحتلال الإسرائيلي في مواجهة رفع العلم الفلسطيني وفي المقابل إظهار العلم الصهيوني يظهر أن الاحتلال الإسرائيلي يعاني من أزمة حقيقية في إثبات وجوده، تصل إلى مرحلة التمسك بإظهار العلم أو إخفائه للتعبير عن الوجود، وهو دلالة ضعف، وكذلك عدم القدرة على تنظيم مسيرة الأعلام التي اعتاد على مدار سنوات طويلة.
كان ينظمها بأريحية، بينما اليوم هو يحشد كل هذه القوات العسكرية والأمنية لتنظيم مسيرة في المدينة القدس المحتلة ومع ذلك لم يشعر بالأمن والأمان في مدينة القدس بسبب صلابة وتحرك الفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين وبنفس الوقت التهديدات التي أطلقها المقاومة الفلسطينية في غزة ضد الاحتلال الإسرائيلي في حال أقدم على اقتحام المسجد الأقصى.
تفكك الاحتلال الإسرائيلي يأخذ أبعادًا جديدة ومختلفة و متدرجة ومتدحرجة لكن المؤكد أن الاحتلال لم يعد كما كان سابقا ويفقد كل عناصر قوته بالتدريج وخاصة على الصعيد العسكري وفي المقابل تصاعد وتنامي قوة المقاومة في أشكالها المختلفة مما يهدد وجود الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات القادمة وخاصة أن الحالة العامة ضد الاحتلال الإسرائيلي اليوم هي تطرح السؤال الوجودي متى يمكن أن يختفي هذا الكيان؟