فلسطين أون لاين

الأمومة المتوازنة خيار تربوي لخلق بيئة مناسبة للطفل

...
صورة تعبيرية
غزة/ هدى الدلو:

تسيطر على غدير محمد حالة من تأنيب الضمير وجلد الذات، إذ تضطر لترك أطفالها الثلاثة لنحو ثمان ساعات، وهو الوقت الذي تمضيه في العمل لدى إحدى شركات القطاع الخاص.

تقول لصحيفة فلسطين: "يراودني شعور التقصير في رعاية أبنائي من خلال مقارنة نفسي بأمهات أخريات، ونظرات اللوم التي يرمقها أبنائي لي بعد الغياب عنهم لفترة طويلة عندما يقارنوني مع أمهات أصدقائهم".

ويعمل المجتمع على ترسيخ صورة الأم المثالية في أذهان الجميع، ولكنها ترى أن الأم تسير على مبدأ التضحية من أجل أبنائها وعائلتها بغض النظر عن الظروف التي تمر بها، أي بقدر طاقتها، وغالبًا يكون على حساب صحتها وأحلامها وأهدافها الشخصية.

في حين تشير صفاء مصطفى (36 عامًا)، إلى أن الأم بشكل عام تهتم بكل التفاصيل الحياتية والدراسية والاجتماعية الخاصة بأبنائها، إلا أنها لا تستطيع أن تستمر بالمستوى ذاته من الاهتمام والرعاية طيلة الوقت، فالطاقة تفتر أحيانًا.

وترى أن أكثر ما يؤثر في عطاء الأم لبيتها وأبنائها كثرة الضغط والأعباء الملقاة على عاتقها، والوضع الاقتصادي السيئ، والسعي للاهتمام بهم طيلة الوقت، فتصل لوقت لا تستطيع أن تقدم فيه شيئًا جديدًا.

ومن منظورها، تعتقد أن المثالية ستجعل هذا الاهتمام أو الرعاية هشًا، وأن الإحباط يدفعها للمكافحة والسعي للتغلب عليه.

الأمومة الجيدة

لكن علماء النفس لهم رأي آخر يظهر في مفهوم "الأمومة الجيدة بما فيه الكفاية"، والذي صاغه طبيب الأطفال والمحلل النفسي البريطاني دونالد وينيكات في كتابه "اللعب والواقع".

وناقش وينيكات تكيف الأم أو غيرها من القائمين على رعاية الطفل، معتقدًا أن الأم "الجيدة بما فيه الكفاية" تتكيف في البداية بشكل كامل مع احتياجات طفلها؛ فتكرس وقتها بالكامل له، تضحي بنومها واحتياجاتها الخاصة لتلبية احتياجات الطفل الرضيع، لكنها بمرور الوقت تسمح لرضيعها بالشعور بقدر ضئيل من الإحباط، وفق تقرير نشر على الجزيرة. 

وذكر أن الأمر المثير للتفكير في فكرة وينيكات عن الأم الجيدة هو ربط مفهوم الأمومة الجيدة بالتطور المعرفي للطفل وتطوير مفهوم صحي للواقع الخارجي. 

ففي البداية يختبر الطفل الأم كجزء من وجوده نفسه، وليس كشخص منفصل عنه، ولكن مع مرور الوقت وانفصال الأم عن الطفل للحظات، تثير تلك اللحظات بدايات النشاط العقلي للطفل وشعوره بالعالم الخارجي.

يقول وينيكات إن على الأمهات الثقة في حدسهن الفطري وقدراتهن على التعامل مع أطفالهن؛ فذلك الحدس يوجههن لما يجب أن يفعلنه مع أطفالهن من دون تعقيدات أو مبالغات، لتصل الأم في النهاية إلى توازن بين التربية الجيدة للطفل وتلبية احتياجاته، وفي الوقت نفسه عدم تجاهل نفسها بوصفها شخصا له احتياجات.

التوازن والرعاية

ومن جهته، يتحدث الاختصاصي النفسي أبو ركاب بأن سبب شعور غالبية الأمهات بالتقصير في تربية أبنائهم هو كثرة أعباء الحياة في جميع الجوانب، فمن ناحية زيادة صعوبة المناهج الدراسية يستدعي من الأم التحضير لدروس أبنائها ومن ثم التدريس ويستنزف ذلك وقت كبيرًا، إلى جانب مشاغل البيت.

ويقول: "والأم ليست بمنأى عن العالم الخارجي وما فرضته وسائل التواصل الاجتماعي من استنزاف للوقت سواء لمتابعة الأخبار العائلية أو الاجتماعية أو السياسية، إضافة إلى توجه عدد كبير من النساء للعمل بدافع تحسين الوضع الاقتصادي، تلك الأسباب تجعل الأم تشعر بشكل دائم بالتقصير رغم محاولتها المتكررة تعويض هذا النقص".

ولكن، كيف يمكن تحقيق الأمومة المعتدلة في التربية؟ يرى أبو ركاب أن الاتزان لا يقتصر على جانب واحد للتعامل مع الأبناء، فمثلًا بعض الأمهات تشعر أنها بشرائها المتكرر لملابس أطفالها تكون قد أكملت النقص، أو أوفت بشروط الاتزان، وبعض الأمهات عند قيامها بتدريسهم أو اصطحابهم في نزهة.

ويوضح أن الاتزان في التربية يجب أن يأخذ أكثر من شكل، ويمكن تقسيم التربية المعتدلة إلى ثلاثة جوانب، الجانب الفكري ويحتاج من الأم الاجتهاد في تطوير أفكار الطفل عن نفسه وعن الآخرين والمستقبل، والجانب العاطفي والذي يتربع على عرشه فكرة التقبل وهي شعور الطفل بأنه مقبول لدى والديه، ويجب على الأم الاهتمام باحتضان الطفل وتقريبه لها بقدر الإمكان، والجانب السلوكي فعلى الأم الاهتمام بقدر المستطاع بأن يأخذ الطفل حقة في اللعب والحركة والاستمتاع بطاقته.

ويشير أبو ركاب إلى أن الاتزان في المعاملة يخلق طفلًا متزنًا، حيث يؤكد خبراء التربية أن العنف والقسوة على الأبناء تعادل في تأثيرها الدلال الزائد، فالأسلوب التربوي الأول يخلق طفلًا خانعًا وغير واثق بنفسه، وليس لديه أي قدرة على مواجهة الواقع، ويقابلها التراخي والدلال فتوجد طفلًا لامباليًا وسلبيًا واتكاليًا، لذلك فالاتزان مطلوب.

ويبين أن مفهوم الكمال في التربية نسبي ولا يمكن قياسه، فما نراه من وجهة نظرنا بأنه الكمال يمكن أن يراه الآخرون العكس، لذلك إذا توافق مفهوم التربية مع العادات والتقاليد والمبادئ الدينية وارتبط ذلك بشخصية طفل واثق من نفسه يمتلك الكثير من المهارات والإمكانات ولديه هدف واضح وقدرة على الوصول يعتقد أن الطفل حينها سيتمتع بقدر كبير من الاتزان وهو الناتج لاتزان الأم في التربية.

فالمثالية أيضًا شيء نسبي لذلك المحافظة على الاتزان في التعامل مع الأبناء هو قمة المثالية.