ثار جدل وتساؤل في الآونة الأخيرة عن عدم انسجام مؤقت بين خطاب المقاومة وفعلها، وهذا نقاش طبيعي إذا نبع من حب المقاومة وروح الاستنهاض، ولكن تجاوز ذلك إلى حد التخوين والاستخفاف، فهذا يوصف بالهجوم المساند للاحتلال وأذنابه من حيث لا نشعر.
من هم الذين يخاطبهم الناس؟ ولماذا البعض معهم على حرف؟ ولماذا لا نولي لهم ثقة كبيرة عمياء؟ وهل سلوك الشارع الحالي صحي أم أنه ناكر لهم؟
أولًا: الذين نتحدث عنهم أولئك الذين جعلوا للصفر قيمة وما زالوا، وجعلوا لما تحت الأرض أملا للنهوض بالهمم والمعنوية، ومن أضاؤوا أكثر من ١٠٥٧ منزل أسير وأسيرة، ومن جعلونا نرى صفد وحيفا من السماء بأبابيلهم الطائرة، ومن أعاد الروح للكوفية والملثم، وعزز ثقافة الوحدة بالغرفة المشتركة.
الذين نتحدث عنهم خلقوا من العدم روحاً وإبداعاً وأملاً في النصر والتحرير، وجعلوا الاحتلال يقف على رجل ونصف، ومنعوا التجوال في "تل أبيب"، وداس بسطارهم رأس الجنود في نحال عوز وما زالوا.
حتى نشخص الحالة وجب أن نذكّر بصواريخهم، وأنهم قدموا قبل الجند قادتهم، وأن لديهم مدينة عسكرية تحت الأرض، وأنه برغم كل الصعوبات والتحديات الأمنية والأشواك والأقمار الصناعية؛ جعلوا الصاروخ الفلسطيني يخرج بجهد صامت ويصل إلى "رامون" و"بن غوريون".
أولئك الذين تآمر عليهم غلمان العرب وانقلابيوهم وزعران التنسيق وجواسيس الميدان، أولئك الذين ودعوا أطفالهم وزوجاتهم وإخوانهم وأعز أصدقائهم شهداء.
أولئك الذين وعدوا الأسرى بالحرية، وكل فلسطين بالتحرر، وهنا ولأنهم كذلك وبهذا التصاعد كانت المؤامرة عليهم كبيرة وخطة دفنهم أكبر، ليست كما خطة تدمير مترو الأنفاق أو الرصاص المصبوب أو أمطار الصيف أو عمود السحاب.
إنها عربات النار وليست عربة واحدة، إنها عربات تضم الغلمان والاحتلال والأمريكان والجواسيس في كل مكان، كانت عربات النار فصفعها مكر الله للأحرار.
نعم عرفنا من هم، ولكن ولأنهم الذين جعلوا لكلمة التحرير قيمة ورفعوا المعنوية وباتوا مصدر الأمل والثقة لكل فلسطيني كانت نقاشات جدلية منها ما هو عاطفي ومنها ما هو سطحي ومنها ما هو باطل للتثبيط.
وبين كل هذه المجريات ولأن الأيام الأخيرة أظهرت تعلق الناس بالمقاومة وخطابها وفعلها؛ بات لزاما على الجميع ألا ينساق إلى التهجم أو التخوين أو الإحباط، فطالما أن هناك معركة جارية فهذا يعني أن التكتيك والترتيب والتريث والإقدام والتنفيذ والتأجيل؛ كلها تقنيات فرعية ضمن هدف رئيسي لا شك أنه أولوية مقاومة باتت درعا وسيفا وحضنا لنا جميعا بعد تيهان أوسلو وغلمان العرب.
كفاهم أنهم يأسرون جنودا يسعى كل غلمان الاحتلال للوصول لهم، وكفاهم أن عيونهم ساهرة أذلت "سييرت ميتكال" وغيرها، وكفانا أننا بتنا نشعر أن لنا سيفا لا يقاس بالزمن بقدر قياسه بالفعل.
هنا يأتي دور حاضنة المقاومة التي انتصرت في استنهاضها، فانتفضت الضفة والداخل والقدس، واستلهمت العالم بالدعم والضغط على حكوماتهم، وكشفت زيف الاحتلال وصفعت المطبعين.
كلها معارك مفتوحة لا يتقنها إلا من جعل للصفر قيمة ولمواسير المياه المهجورة دوراً وللسفن الغارقة منذ عقود ذاكرة ولصوت صافرات الإنذار رعبا ولعقول الجماهير قناعة بأن التحرير ليس نصا بل جهدا.
وفي النهاية من فعل ليس كمن كتب.