تضعُ أربع وسادات تحت رأسها كي تستطيع التنفس، ومن ثم النوم رغم الألم الذي تشعر به، في كل مرة تشد على أنفها المغلق كثيرًا حتى باتت عملية الشهيق والزفير أمرًا مؤلمًا، لوجود كتلة تسد مجرى تجويف الأنف، فلا يصلها الهواء إلى بعد عناء طويل ومساعدة من الأسيرات التي تستغرق عدة ساعات، في جريمة مركبة يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسيرة إسراء جعابيص.
ورغم أن اتفاقية جنيف والقانون الدولي الإنساني، ينصان على توفير الرعاية الصحية للأسرى مجانًا، إلا أن الاحتلال وصل به انتهاك القانون الدولي والقيم الإنسانية إلى عقد جلسة لمحكمة الاحتلال العليا التي صدّقت الخميس الماضي على قرار إدارة سجون الاحتلال بمنع إجراء عملية للأسيرة جعابيص، خلافًا للتوصيات الطبية التي أكدت أنها ضرورية ومن متطلبات الحياة.
ورفضت محكمة الاحتلال المركزية التماسًا قدمته جمعية أطباء لحقوق الإنسان، التي تمثل الأسيرة، في حين رفضت محكمة الاحتلال العليا الرد بالإيجاب على الاستئناف الذي قدمته الجمعية ضد القرار، لتسجل انتهاكًا جديدًا لحقوق الإنسان بالحياة والرعاية الصحية.
تزعم محكمة الاحتلال لتبرير رفضها أن "العملية غير ضرورية وأنها تجميلية"، وهو ما تقول عنه منى جعابيص شقيقة إسراء لصحيفة "فلسطين"، إنه بهدف التغطية على جريمة الاحتلال بحق شقيقتها ولذر الرماد في العيون أمام المجتمع الدولي، مشيرة إلى أن ذات المحكمة عقدت جلسة بتاريخ 11 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، ووافقت على إجراء ثلاث عمليات لشقيقتها، ثم تقلص الأمر لعمليتين، ثم عملية واحدة تم رفضها".
وإسراء جعابيص (38 عامًا) من سكان القدس، أسيرة في سجن "الدامون"، واعتقلت عقب إصابتها بجروح متفرقة سنة 2015 نتيجة انفجار أسطوانة غاز تسبب الانفجار ببتر أصابعها وحروق التهمت 60% من جسدها وهي بحاجة لأكثر من عشر عمليات وتقضي حكما بالسجن أحد عشر عامًا.
تستعرض شقيقتها مشاكل إسراء التي تراها إدارة سجون الاحتلال عمليات تجميل، مبينة أن إسراء بحاجة إلى عملية فصل الأصابع كون الجلد ملتصق بالعظام، ورفع أصابع اليد اليمني، وإزالة كتلة ملتصقة بالإبط، كما لا تشم من الأنف بسبب وجود كتلة، وتعاني من جفاف في الأنف والأذن والحنجرة.
إسراء التي يحرمها الاحتلال من العلاج، ظهر لديها، كما تتابع شقيقتها، "دمامل دهون" بعدة أماكن بجسدها خاصة إصبعها، فتلجأ لمعالجته بالبصل في ظل حرمانها من العلاج، إضافة لظهور أمراض جلدية بسبب الحروق.
تعلق جعابيص عن منع الاحتلال علاج أختها بسؤال لا تملك إجابة له: "ماذا سنقول؟ حاكمنا هو جلادنا، بالكاد يرمون لها حبة الأكمول"، مشيرة إلى أن الاحتلال ضيق على قسم الأسيرات خلال الفترة الماضية، بالقمع ونقلهم وإخراجهم بالبرد، رغم أن جسد إسراء لا يتحمل ذلك.
مريم عرفات، أسيرة أمضت ستة أشهر إداريًا في سجون الاحتلال وأفرج عنها في يناير/ كانون ثاني الماضي، وعاشت في نفس غرفة إسراء في سجن "الدامون"، تقول لـ"فلسطين: "لم تكن إسراء تستطيع التنفس من الأنف إلا بعد وضع أربع وسادات في الليل حتى تبقي مجرى التنفس مفتوحًا والسرير الذي تنام عليه ليس عاديًا، أو تبتلع حبة حلوى بالنعناع أو أي شيء يشعرها بحرقة كيف تشد على نفسها للتنفس".
ترد على مزاعم الاحتلال بأن هذه العمليات تجميلية، ولا تجد وصفًا يناسب "حقارة محاكم الاحتلال" سوى أنهم "يقومون بقتل إسراء ببطء، لأنهم يمنعونها إجراء عمليات ضرورية لها".
وتوضح المحررة عرفات، أن الاحتلال جدول موعد عملية إسراء بعد 700 شخص أي "ربما تكون إسراء قد أفرج عنها" قالتها بتهكم وسخرية "على سلوك الاحتلال العدواني بحق أسيرة مريضة تغطي الحروق 60% من جسدها رغم أنه يدعي الديمقراطية التي عرتها قضية إسراء أمام العالم".
ورغم أن القانون الدولي واتفاقيات جنيف تنص على أن توفير الأدوية يقع على عاتق الجهة الآسرة، إلا أن عرفات تؤكد، أن إدارة سجون الاحتلال كانت تجبر إسراء على شراء الأدوية بأسعار باهظة وهذا يدلل أن إسراء مستهدفة، وتتساءل "وين احترام القانون الدولي؟".
تستذكر كيف كانت إسراء تعاني من قمع الاحتلال لغرف الأسيرات بالسجن خاصة عندما يقومون بتقييدها رغم الجروح فتتألم بشدة وتبكي أحيانا من شدة الألم، وكانت الأسيرات يصففن شعرها بسبب التصاق أصابع يدها ببعضهم.
يمر عليها مشهد من لحظات الألم العديدة التي عانت منها إسراء: "كانت تقول لي: امسكِ ايدي بدي أحس فيها، وتخيل أن ذلك بسبب وجود أعصاب تالفة باليدين، ومن ثم تأتي إدارة سجون الاحتلال وتصفها بأنها عمليات تجميلية".
بطرق عديدة ساعدت الأسيرات إسراء على التنفس أمام تقاعس الاحتلال، تقول عرفات: "كنا نشربها الماء، ونعطيها حلوى تسبب شعورا أشبه بما يسببه الفلفل الحار من حرقة، حتى تقوم بشفط الهواء للداخل، وهذه العمليات تستغرق عدة ساعات، وهذه الحلوى غير متوفرة كثيرا وكنا نجتهد في توفيرها".
تشرح حالة إسراء أكثر، وهي تبدي تعاطفها وحزنها على وضع صديقتها "يعني أي إنسان يصاب الزكام لا يستطيع النوم، فما بالك إنسان أنفه مغلق".
بالرغم من كل ما وجهته إسراء من حروق، إلا أنها علمت الأسيرات معنى الإرادة، فدرست بجامعة القدس المفتوحة، وحصلت على دورات في القانون الدولي، ودرست اللغة الانجليزية وأصبحت مدربة في التنمية البشرية، وهذا يؤكد وفق عرفات أنها تحب الحياة التي لا يريد الاحتلال أن تعيشها.