من أدنى نقطة للمسجد الأقصى، وقف يعقوب أبو عصب على تلة في حي الصوانة يراقب ما يجري من بعيد، متمنيًا أن يرابط في ساحاته، ويتلمس جراحه وأوجاعه، كانت الصلاة والدعاء على تلك التلة هما كل ما في وسعه فعله.
كانت أعصاب المقدسي يعقوب مشدودة، وقلبه كمرجل يغلي وهو يتابع ما يسمى بـ"مسيرة الأعلام" واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى منذ ساعات الصباح الباكر ليوم أمس، دون أن يستطيع تحريك ساكنًا بسبب قرار الاحتلال الإسرائيلي إبعاده عن المسجد، وفرض عليه إقامة شبه جبرية في منطقة سكنه.
شعور تصعب مقاومته
يعقوب (50 عامًا) من حي الصوانة شرق البلدة القديمة من مدينة القدس، أمضى في السجون قرابة 15 عامًا تنقل خلالها بين عدد من المعتقلات ومراكز التحقيق، وأبعد عن المسجد الأقصى مرات عدة وأصدر الاحتلال بحقه قرارات منع من دخول الضفة الغربية والسفر.
يقول لصحيفة "فلسطين": "شعور صعب ومؤلم أن ترى مسجدك يدنس وأنت بعيد عنه ولا تستطيع أن تفعل شيئًا، خاصة أنه أحب الأماكن لقلبك، فلا تستطيع أن تحميه أو تدافع عنه بالرباط والوجود في ساحاته، والهتاف بالله أكبر لصدهم عنه".
ويرى أن ما يخفف هذا الشعور الذي يؤنب ضميره، أنه يعطيه في الوقت ذاته حافزا بأن وجود المقدسي هو الضمان لتجذره وصموده للدفاع عن الأقصى والمقدسات، "فصعب جدًا مقاومة هذا الشعور، لكني أحاول أن أحتسب أجر الرباط ونيته".
ويضيف يعقوب: "قرارات الإبعاد تدل على شيء واحد وهو انزعاجهم من وجود المقدسي الذي هو بمنزلة إفشال لمشروعهم التهويدي الذي يهدف إلى تفريغ القدس من أهلها، ولإضفاء صبغة عليها غير العربية والإسلامية، وذلك منال بعيد عليهم بإذن الله".
ومنذ ثلاث سنوات مضت، لم يزر يعقوب المسجد الأقصى بسبب توالي قرارات الاحتلال بالإبعاد التي يصدرها بحقه، فقبل انتهاء القرار السابق يفاجئه الاحتلال بقرار تجديد الإبعاد مدة ستة أشهر أخرى، ليحرم من معايشة معظم الأحداث والأجواء الرمضانية والأعياد، فيقف على أبوابه أو من أقرب نقطة مقهورًا.
الشوق والعجز
يقف يعقوب أمام مشاعر شوقه للأقصى عاجزًا عن فعل أي شيء سوى التزامه بتلك القرارات التعسفية، خاصة أنه يفرض عليه مسارًا معينًا في التنقل لكونه ممنوعا من دخول كل الأحياء الواقعة شرقي القدس.
يصف مشاعر شوقه للمسجد الأقصى: "لا يمكن وصف مشاعر شوقي، فهي أكثر من شوقي لأبنائي وأهلي، فشوفي له كما يشتاق المريض للعافية، والعقيم للولد، فدون المسجد الأقصى نحن أموات، فهو حياتنا".
ويتابع حديثه: "المسجد الأقصى هو رمز بقائنا ووجود القضية الفلسطينية، وهو قضية كل مسلم الرئيسة والمهمة، فكل واحد منا يستطيع أن يقدم للأقصى من مكان وجوده في القدس والضفة وغزة والدول العربية والإسلامية بتضامنه ومساهمته في حماية الأقصى".
ويستذكر يعقوب حينما كان في الأسر أنه كلما رأى صورة المسجد الأقصى يبكي من قلبه، ويقضي ما تبقى من فترة حكم على أمل الرجوع إليه، مشيرًا إلى أنه على الرغم مما يحاول الاحتلال فرضه في مسيرة الأعلام إلا أن المقدسي يزداد صلابة وعقيدة راسخة بأنه صاحب الحق.
ويستكمل: "الإبعادات المتكررة لن تقلل من عزيمتي ودفاعي عن المسجد الأقصى، ذلك المكان الذي تعلقت فيه روحيًا ووطنيًا، فقضيت فيه سنوات حياتي ليكن بمنزلة بيتي الأول والأخير، والإبعاد لن يقلل من شأنه".
ووفق مركز معلومات وادي حلوة فإن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت 793 فلسطينيًا من مدينة القدس المحتلة خلال نيسان/ إبريل الماضي، وأصدرت 592 قرار إبعاد عن المسجد الأقصى والقدس القديمة.