لا أحد يقف في وجه الفرح، نحن في غزة نتمناه، ونسعى إليه بجد وجهد، ونحرص على ملاقاة الفرح بالأحضان، ولا أحد في غزة يعترض على السترة والزواج، ولملمة شمل الشباب والشابات، فمن حق أهل غزة أن يعيشوا لحظات حياة بعيداً عن الخوف والقلق والفزع، ومن حقهم أن يمارسوا حياتهم بشكل طبيعي بعيداً الإرهاب الإسرائيلي.
يوم الثلاثاء شهدت خان يونس فرحاً جماعياً، في عيد استقلال دولة الإمارات، نظمته مجموعة الفارس الشهم، الفرح ضم 54 عريساً وعروسة، وسط حشد لا بأس به من ذوي الشباب الذين تكفلت دولة الإمارات بزواجهم، وكانت الزغاريد، وكانت التبريكات، وكانت الكلمات الدافئة في هذه المناسبة.
وفي الوقت الذي كان فيه بعض أهل غزة يحتفل بالزفاف فرحاً مغرداً، كان بعض أهل غزة يذرف الدموع على مجموعة من الشهداء الذين استهدفهم العدو الإسرائيلي، سواء من كان منهم في أنفاق رفح، أو من اقترب من الخط الإسرائيلي الأصفر دون دراية او قصد، استهدفته الطائرات الإسرائيلية المسيرة، فصاروا شهداء.
لوحة متناقضة في غزة، فرح ودموع، حزن وخشوع، ليقف الإنسان حائراً في التعبير عن مشاعره، فهل نظل أسرى سنتين من الويلات؟ أم نتحرر من ربقة الملمات، ونخرج طالبين مباهج الدنيا مهما ارتفعت الأثمان، مشاعر متناقضة بين التهنئة بالفرح، وبين تقديم واجب العزاء لمن فقد حبيب، أو يسأل عن رفات حبيب لما يزل تحت الأنقاض، فرحة ممزوجة بالدموع بين من يمتطي حصان الأمل، وبين من يتعثر تحت ركام بيته المدمر، ومستقبله الضائع.
الكثير من الكتاب والمعلقين والمتابعين اعتبروا لحظة الفرح بمثابة نسيخ أمل لحياة جديدة، واعتبروها تحدٍ للعدو الإسرائيلي الذي يحرص على خنق غزة، فنحن شعب نحن الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا، ونصنع من خيط الدموع ثوب الفرح، ونكفن بوجع القلب من صاروا شهداً، ولكن لا أحد من هؤلاء غاص في شرايين القلب لمئات آلاف الثكلى، من فقدوا أولادهم وبناتهم وأعمارهم وأمهاتهم وآبائهم تحت القصف الصهيوني، وما هي مشاعرهم وهم يسمعون زغاريد الفرح، وقلوبهم تنتفض من رجفة الترح، وسط ضجيج الطبول والمزامير لم يلتفت أحد إلى ضربات القلوب الراجفة من الفراق، ولم يراعِ مشاعر من أغرقته الذكريات في أحزانه.
نحن مع الفرح، ومع الزواج، ومع مواصلة الحياة رغم المعاناة، ولكننا نناشد كل ضمير حي، وكل صاحب عقل موزون، أن يراعي مشاعر من لا يقدر على الفرح، ومن جافاه الوقت، وجفلت خيوله عن مواصلة رياضة النسيان، وانكبت فوق رأسه ظلال الأحزان.
غزة بحاجة إلى الفرح الهادئ، الفرح المتزن، الفرح خفيف الظل، الفرح المعبأ أملاً في الصدور، والمرتسم فوق الثغور، لا الفرح الصاخب فوق زجاج واقع أهل غزة المكسور.
نبارك لكل من وافه الحظ، وكان جزءاً من حالة الفرح التي أقامها الفارس الشهم، ونشدد في حديثنا على ضرورة محاربة البهرجة في الفرح، والمغالاة في الصراخ والزعيق حتى منتصف ليل غزة الحزين، ونرفض المكايدة النسائية في أفراح لم تكتمل فرحتها، وتشكل إزعاجاً للإنسان العربي الفلسطيني في غزة، وهو يفتش عن لحظة هدوء من صواريخ العدو، لتخرج عليه مكبرات الصوت تغني لعريس غرير حتى وقت متأخر من الليل، دون احترام لمشاعر لمن فجعته المنية، ودون مراعاة لأوضاع أهل غزة الشقية