مسيرة الأعلام الإسرائيلية هي تقليد إسرائيلي بدأه الحاخام المتطرف يهودا حاذاني منذ عام 1968م بعد احتلال إسرائيل القدس الشرقية. بعد ذلك أشرفت على تنظيم المسيرة سنوياً بلدية القدس، ووزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، وسط تمويل من مؤسسات يهودية ورجال أعمال، ومشاركة لليمين المتطرف ازدادت سنوياً لتصل إلى عشرات الآلاف، واللافت أن كل عام تقريباً يتغير مسار المسيرة لتشمل مناطق جديدة، والهدف الإسرائيلي هو تأكيد هوية القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
فجرت مسيرة الأعلام العام الماضي معركة سيف القدس، بعد أن أعلن منظمو المسيرة عن مسارها الذي يتضمن الدخول من باب العامود، إلا أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة هددت على لسان رئيس أركانها محمد الضيف وأوفت بوعدها بعدم اقتراب المسيرة من باب العامود، ونجحت في إلغائها.
اليوم العالم أجمع على موعد مع تحدٍّ جديد ينتهك القانون الدولي ويمس بالوضع القائم في المدينة المقدسة، وتحت حماية الشرطة الإسرائيلية تخرج مسيرة الأعلام وسط ترقب محلي وإقليمي ودولي، وبغض النظر عن مسار المسيرة، وهل تتجاوز الخطوط الحمر التي رسمها البعض بأنها: الدخول من باب العامود – الدخول في الحي الإسلامي – اقتحام باحات المسجد الأقصى، فإنني أرى أن المشكلة ليست في مسار المسيرة؛ لأن المسيرة هي انعكاس لاحتلال، والأصل في تركيز الخطاب الإعلامي وتهديدات الفصائل تجاه وجود الاحتلال في القدس وكل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وبعيداً عن الجدل السابق نبقى في دائرة مسيرة الأعلام وما يترتب عليها، وهل نحن على موعد مع الانفجار؟
لا أحد يختلف عن أهمية ومكانة القدس لدى الفلسطينيين، وأن شعبنا الفلسطيني جاهز لأن يقدم الغالي والنفيس من أجل القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وهو ما يرجح أن قرار التصعيد في حالة تجاوز المسيرة الخطوط الحمر من وجهة نظر المقاومة وحاضنتها الشعبية قد يفجر الأمور باتجاه المواجهة المفتوحة، ورغم إدراك المقاومة حجم التداعيات المحتملة نتيجة مواجهة عسكرية بسبب مسيرة الأعلام على قطاع غزة، بعد عام على معركة سيف القدس وما ترتب عليها من مساس بالبنية التحتية وتأخر في ملف الإعمار، وفي ظل حصار أنهك الأخضر واليابس في قطاع غزة، ورغم جرح غزة الغائر، فإن قرار الاستنفار والتعبئة في صفوف المقاومة حاضر، واليد على الزناد ترقب سلوك المحتل، وضغط المجتمع الدولي والإقليمي.
انطلاقاً مما سبق، وفي ظل حرص كل مكونات شعبنا على الحفاظ على هوية القدس وحماية مقدساتنا، وإفشال أهداف مسيرة الأعلام، وفي ظل السيناريوهات المحتملة التي تتأرجح بين المواجهة المفتوحة بين قطاع غزة والاحتلال، وبين تجنيب قطاع غزة تداعيات تلك المواجهة، يتطلب العمل من جموع شعبنا الفلسطيني ودبلوماسيته الرسمية والشعبية بما يأتي:
ضرورة الزحف والرباط في المسجد الأقصى، وهذا واجب وطني وشرعي وأخلاقي على كل فلسطيني قادر على الوصول إليه؛ لأن حجم الحشد سيحقق الأهداف الآتية:
١. سيشكل أكبر ضغط إقليمي ودولي على الاحتلال لوقف مسيرة الأعلام ويعيد للقضية الفلسطينية وملف القدس مكانته ويؤكد الهوية العربية الإسلامية للمدينة المقدسة.
٢. سيدفع القائمة الموحدة (منصور عباس) عبر ضغط الرأي العام لتهديد مستقبل الائتلاف الحكومي في تل أبيب.
٣. سيبعد شبح الحرب عن قطاع غزة.
الخلاصة: الكرة في حالة مسيرة الأعلام في ثلاثة ملاعب، الأول: المجتمع الدولي والإقليم عبر الضغط على الاحتلال لمنع المسيرة، والحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي في القدس. الثاني: على بعض مكونات الائتلاف الحاكم في إسرائيل ولا سيما القائمة الموحدة تحديد موقفها قبل انزلاق الأمور وتهديد مستقبل الائتلاف. الثالث: الشعب الفلسطيني عبر حجم المشاركة والرباط في القدس، والاشتباك مع الاحتلال في كل المدن الفلسطينية، والاعتصامات في الخارج أمام مقار البعثات الدبلوماسية.
في الختام، في حالة تدحرجت كرة الثلج تجاه مواجهة مفتوحة مع قطاع غزة، فإن رسالة شعبنا للمقاومة أن يكون خيار المواجهة العسكرية هو آخر الحلول، وأن تكون المواجهة تحاكي حرب التحرير، وليست مواجهة تقليدية تنتهي بعد أيام باتفاق تهدئة لم يطبق إلا الشيء البسيط من فصوله، ومن المؤكد أن المقاومة درست التجارب السابقة في التفاوض، وعليه فإن استخلاص الدروس والعبر هو محط اهتمام الرأي العام الفلسطيني الذي يتطلع للانفكاك من الاحتلال والحصار والظلم من القريب والبعيد.