هل ثمّة درس ما في الصراع، أو قلّ الجدل حول مسيرة الأعلام، وحول الرسائل المتبادلة من خلال الوسطاء؟! وهل ثمة تراجع في فرص تحوّلها لمعركة صواريخ، وحرب واسعة النطاق؟! الإجابة المباشرة عن السؤال الثاني تقول: نعم، ثمة تراجع نسبي لاحتمالية الحرب الموسّعة، وقد لا تضطر غزة لإطلاق صواريخها نحو القدس والوسط. الرسالة الإسرائيلية التي نقلها الوسطاء تقول إن الحكومة لن تستجيب لطلب قادة المسيرة، وهي تصر على إجرائها بحسب ما كان في السنوات الماضية، أي لا زيادة في الأعداد، ولا دخول للمسجد الأقصى، وستفرض الانضباط وعدم الاستفزاز في باب العامود.
هذه الرسالة تبدو مقبولة عند المقاومة إذا ما تطابق القول مع الميدان، لذا كان قرار المقاومة في غزة: إننا نقبل، ولا نثق، والكلمة الفصل للميدان، ونحن على جهوزية عالية للتصرف. وهذا يعني أن طرفي الصراع لا يودون الدخول في معركة واسعة النطاق، وحكومة الاحتلال لا تود حاليا رؤية صواريخ غزة في تل أبيب، لتسقط بعدها الحكومة، ويأتي نتنياهو مرة أخرى.
اللافت للنظر في هذه المعادلة التي تستجيب لعامل الردع الذي بنته المقاومة في غزة من خلال حروب أربع، جعل السلطة الفلسطينية تلحق بركب المعادلة تلك، ليصرح نبيل أبو ردينة قائلا: "نحمل حكومة الاحتلال المسئولية الكاملة عن هذا التصعيد الذي سيؤدي لتفجير الأوضاع، لقد تجاوز المتطرفون كل الخطوط الحمر". وهذا تصريح جيد، حيث يمثل الأقصى قاسما مشتركا بين السلطة في رام الله والمقاومة في غزة والضفة.
بناء على ما تقدّم يمكن القول إنّ درسًا مزدوجًا مهمًّا يمكن استخلاصه مما تقدّم:
الأول يقول: إنّ لغة القوة هي اللغة التي يفهمها المحتل، وللردع الذي بنته غزة دور لا تقوم به المفاوضات، ومن ثمّ فإن تطوير الردع أمر في غاية الأهمية. وهنا يجدر ألّا نلتفت للأصوات اليمينية العبرية التي تناكف الحكومة، وتقول: حكومتنا تستجدي المقاومة. هذا القول لا يعنينا، وما يعنينا أنّ المقاومة تسير في الطريق الصحيح، وأنّ الغد سيكون أفضل بإذن الله.
والثاني يقول: إنّ القدس تجمعنا، والأقصى يوحّدنا، وعلينا أن نطور الأمور التي تجمعنا وتوحّدنا، ونبتعد عمّا يفرقنا، ويسيء لقضيتنا، وإنّ صبرنا على بعضنا أولى من المناكفة والإعلام، حتى مع اليقين الذي ثبت بأنّ صواريخ غزة لم تكن عبثية، ولن تكون كذلك بعزّ عزيزٍ أو بذلّ ذليل، يعزُّ الله من يشاء، ويذلُّ من يشاء.