أليس الفوز بالمركز الأول في بطولة العالم لرفع الأثقال للناشئين التي أقيمت في اليونان يوم 9 من شهر مايو الجاري، أمرًا يستحق أن نفتخر به ونفرح ونُهلل له ونكتب عنه، لكونه حدثًا رياضيًّا غير مسبوق ويحدث لأول مرة على مستوى الرياضة الفلسطينية؟
فعلى مدار عقود طويلة لم تحصل فلسطين على المركز الأول ولم تحصل على ميدالية ذهبية في أي بطولة للعالم في لعبة يُنظمها الاتحاد الدولي لها، وهو ما حققه لنا البطل العالمي محمد حمادة، الذي اعتلى منصة التتويج واقفًا على المركز الأول رافعًا علم فلسطين ومرددًا نشيدها الوطني في سماء أوروبا التي انحازت دائمًا للرواية الإسرائيلية بخصوص قضيتنا الفلسطينية العادلة.
لكن مع الأسف أن بيننا أُناسًا لا يروق لهم أن يكون الوقوف على منصة التتويج بأقدام فلسطينية تسكن في غزة المُحاصرة، وللأسف مرة أخرى أن يكون أحد الإعلاميين الذين يعدُّون أنفسهم من المُخضرمين قياسًا مع سنوات عمله في مجال الإعلام الرياضي الممتدة على مدار 27 عامًا، أن يكون هو من لا يروق له ذلك، إذ أقتبس لكم جزءًا من مقالته المنشورة في إحدى الصحف الفلسطينية يوم 22 من الشهر الجاري، الذي جاء فيه (لا أدري ما طبيعة الرسائل، التي تنشد الأسرة الرياضية في محافظات الوطن الجنوبية إيصالها لقيادة الحركة الرياضية، خصوصًا في الشق المتعلق بالبطل الذهبي، محمد حمادة، صاحب ذهبية وبرونزية اليونان في رفع الأثقال.. لقد توسعت الأسرة الرياضية في قطاع غزة بالاحتفاء بالرباع الذهبي، وقد تم التعبير عن ذلك بمواكب المهنئين، وبما يشبه مهرجانات الاحتفاء بالبطل وتكريمه، ماديًا وعينيًا، وقد بدت مظاهر التكريم وكأنها مقصودة أو حتى مُبالغ فيها، وأنها تحمل في ثناياها رسائل متعددة الأوجه والمضامين، وأن وراء الأكمة ما وراءها).
مع الأسف الشديد أن يقوم إعلامي رياضي فلسطيني بتقزيم الإنجاز العالمي ويكتب عنه بطريقة تؤكد أنه يستكثر على غزة وأبطالها أن يقفوا على منصات التتويج العالمية، وذلك بوصف الحدث أنه فوز بميدالية ذهبية في اليونان، دون أن يذكر أنها بطولة العالم وليست بطولة اليونان.
إن هذا القفز عن الحقيقة، قفز مقصود وكأنه يقول إن مركزية العمل الرياضي في الضفة الغربية وعلى مدار سنوات من السيطرة والتفرد بمقدرات الرياضة الفلسطينية ماديًا ومعنويًا لم تتمكن من تحقيق إنجاز عالمي، على حين غزة المحاصرة تمكنت رغم الظلم المتعمد الواقع عليها من ذوي القربى، تحصل على بطولة العالم.
لقد استخدم الكاتب في مقاله أسلوبًا غير منطقي وكأنه يقول الحق المراد به باطل، بمقارنته ما تحقق في بطولة العالم لرفع الأثقال والحصول على لقب بطل العالم فيها، مع فوز فلسطين بعدة ميداليات في بطولة الكيك بوكسينغ الإقليمية غير المعتمدة دوليًا.
وللأسف الشديد أيضًا أن الكاتب عبر عن استغرابه من حجم الاحتفال ببطل العالم، وكأنه يقول بأن ما تحقق لا يستحق هذا الاحتفال، وأقول له: إذا كان الفوز ببطولة العالم أمرًا لا يستحق الاحتفال بهذه الطريقة، فما الإنجاز الذي يستحق ذلك؟
للأسف أن البعض منا ما زال يُعزز الانقسام، وما زال يرغب في غرق غزة رياضيًا فوق ما هي غارقة بفعل فاعل سياسي يُعاقبها على صمودها وتحررها وانعتاقها من "بساطير" الاحتلال وعرباته التي تمر من أمام منزل رئيسه يوميًّا دون أن يتحرك ساكن.
أستوعب أن يكون هناك إعلاميون أصحاب نفوس مريضة وعنصريون في تفكيرهم، ولكني لا أستوعب أن تُعلن هذه النوايا على الملأ، ونقول له: (إذا بُليتم فاستتروا)، ولكن هناك من لا يليق به الستر، فقد كشف عمَّا بداخله من حقد ومن غل ومن استكثار على شعب محاصر أن ينهض من تحت الركام إلى منصات التتويج العالمية.
كنت أتمنى ممن يعتقدون أنهم أصحاب الوصاية على فلسطين ورياضتها سواء إعلاميين أو كوادر، أن يدعون رئيس الدولة لتكريم هذا البطل، لا أن يستكثروا عليه الاحتفال البسيط الذي أقيم له في معبر رفح.
أخيرًا.. لقد كشف الكاتب عن مرضه النفسي عندما استفسر باستغراب عن الرسالة التي تريد غزة أن توجهها لما سماها القيادة الرياضية في الضفة من احتفالها بالبطل العالمي الذي وصفها باحتفالات مبالغ فيها.