كثر هذه الأيام حديث عدد من قادة الاحتلال على رأسهم وزيرا حرب الاحتلال إيهود باراك وبيني غانتس ورئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت عن مستقبل كيانهم وحتمية فنائه وزواله، وخشيتهم من عدم تجاوز عُمر الكيان العقد الثامن، وأن يكون مصيره كمصير ممالك يهودية سابقة أصابتها "لعنة الـ80". وحذّر العديد من قادة الاحتلال السابقين والحاليين من تفكك الكيان وعدم استطاعته اجتياز هذه المرحلة بفعل عوامل داخلية وخارجية، وحتى أن بعضهم، أمثال غانتس، توقع هذا السيناريو قريبا.
الواضح أن هذه التوقعات التشاؤمية لقادة الاحتلال باقتراب النهاية لم تأتِ من فراغ، نتيجة خوفهم من عواقب وخيمة تنتظرهم لما يقترفونه من قتل وبطش وتهجير وظلم لشعب بأكمله استولوا على أرضه بالقوة، وهم يعرفون أن الشعب الفلسطيني هو صاحب الحق، فلا يضيع حق وراؤه مطالب، ولا تسقط الحقوق بالتقادم، فالمقاومة لم تتوقف منذ أن وطئت أقدام الصهاينة أرض فلسطين وأنشأوا كيانهم الصهيوني في عام ١٩٤٨، وهي تأخذ أشكالًا مختلفة ضد الاحتلال، لكن قوة المقاومة اليوم أدت تنامي شعور الاحتلال بالخوف وتشاؤم القادة من المصير القادم لما شاهدوه في معركة سيف القدس العام الماضي، بتوحد فصائل المقاومة على قلب رجل واحد، وقد سطرت المقاومة أروع الدروس العسكرية التي أذهلت الاحتلال معترفًا بالهزيمة، وأدت إلى الإطاحة بحكومة نتنياهو واستقالات لوزرائه وقادته العسكريين.
بالمثل فقد أحدثت المقاومة في جنين بالإضافة إلى سلسلة العمليات الفدائية في الداخل المحتل إلى زلزال خلخل أساسات الكيان داخليًّا وأربك حساباته الأمنية، ما أدى إلى تدهور مكانة نفتالي بينيت السياسية، التي عكستها الاستقالات المتلاحقة من ديوانه، ما أدى إلى تخبُّطه، الذي بات يشعر بأن نهاية حكومته تقترب، وإقدامه على اقتحام الضفة وتحريضه على استباحة الدم الفلسطيني بناء على الاعتبارات السياسية الداخلية.
هذا هو التوجه الذي يسلكه عادة رؤساء الحكومات الإسرائيلية عندما توشك حكوماتهم على السقوط، نتيجة الفشل العسكري والأمني اللذين يؤديان في الغالب إلى الفشل السياسي، هذا ما اعترف به مختصون إسرائيليون، فيقول الكاتب جدعون ليفي: "إنّنا نُواجه أصعب شعب في التّاريخ، وعمليّة التدمير الذاتي والمرض السرطاني الإسرائيلي بلغا مراحلهما النهائيّة، ولا سبيل للعِلاج بالقبب الحديديّة، ولا بالأسوار، ولا بالقنابل النوويّة". أما الجنرال المُتقاعد شاؤول أرئيلي فقد كتب في مقالًا في صحيفة "هآرتس" قال فيه: إن الحركة الصهيونيّة فشلت في تحقيق حُلم إقامة "دولة إسرائيليّة ديمقراطيّة، بأغلبيّة يهوديّة، وإن الوقت ليس في صالح (إسرائيل)، وإن هذه النظريّة سقطت". كذلك المحلل السياسي الإسرائيلي المُخضرم آري شافيط، الذي نشر مقالًا في الصّحيفة نفسها كان أكثر تشاؤمًا، وقال فيه ما معناه "اجتزنا نقطة اللّاعودة، و(إسرائيل) تَلفُظ أنفاسها الأخيرة، ولا طعم للعيش فيها، والإسرائيليّون يُدركون مُنذ أن جاؤوا إلى فلسطين أنهم ضحيّة كذبة اختَرعتها الحركة الصهيونيّة استخدمت خِلالها كُل المَكر في الشخصيّة اليهوديّة عندما ضخّمت المحرقة واستغلّتها لإقناع العالم أن فلسطين أرض بلا شعب، وأن الهيكل المزعوم تحت الأقصى" واختتم مقاله بالقول: "حان وقت الرّحيل إلى سان فرانسيسكو أو برلين".
إن الحديث عن نهاية (إسرائيل) بلسان قادتها ونخبها، يذكرنا بحديث الشهيد الشيخ أحمد ياسين قبل عشرين عاما عندما تنبأ بزوال الكيان وقد تطابقت رؤيته مع توقُّع ايهود باراك، وقد يحدث هذا الأمر في أي لحظة، وليس على الله ببعيد، لكن الاحتلال ربما يقصد من وراء هذه التصريحات، كسب جولة تعاطفية وتضامنية جديدة من الغرب، الذي يشبه نفسه بالضحية، للتغطية على جرائمه المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني، فالمعهود دائمًا عن الاحتلال تضليل الرأي العام العالمي، فعندما تحدث بينيت عن (الانتقال من الدفاع عن النفس الى الهجوم)، في محاولة لزرع الوهم لدى المجتمع الدولي بأن سلطات الاحتلال كانت في (حالة دفاع عن النفس) وهي الآن تنتقل الى (الهجوم)، متناسيًا ومتجاهلًا حقيقة أن (إسرائيل) تحتل الأراضي الفلسطينية بالقوة وتمارس أبشع أشكال العدوان والقمع والتنكيل بالشعب الفلسطيني وتحرمه أبسط حقوقه السياسية والمدنية.