تتسارع الأحداث التي تبرز وبشكل واضح نموًا قويًّا للمقاومة في الضفة الغربية والقدس والداخل، في الوقت الذي تتعاظم فيه قوتها في غزة، بينما تتغير الظروف الإقليمية والدولية وتتبدل المعطيات على الأرض والأولويات في العالم، لذلك وفي محاولة إسرائيلية للرجوع بالمعادلة إلى ما قبل سيف القدس كانت لدى الاحتلال عمليات "كاسر الأمواج" وأخيرًا "عربات النار".
يحاول الاحتلال العمل على ثلاث زوايا لإعادة ترتيب الأوراق بحيث تخدم مشروعه وتسهم في نجاحه لتجاوز أخطر مرحلة يمر فيها على الساحة الدولية في ظل الحرب الأوكرانية الروسية، وعلى الصعيد الداخلي من هشاشة الحكومة وانفصام يتوسع في أهداف الأطراف وتداعيات ذلك على التعامل مع ملفات باتت الفجوة فيها أكبر .
وتعتبر الزوايا الثلاث محاولة إنعاش لما يأملون، وعودة عجلات قطار القهر إلى سكتها.
فالزاوية الأولى تركيز على ملف الحدود الشمالية وملف سوريا وإيران، بالتزامن مع استمرارية العنف والعمليات ضد غزة وجنين ضمن "عربات النار" و"كاسر الأمواج" وإجراءات أمنية وعسكرية تمنع في حين وتقمع في حين آخر أي تنامٍ للعمل العسكري وتنظيمه ضدهم، وهذه الزاوية لم تعد هندستها كما كانت سابقا في عقلية الاحتلال، فالظروف والتكتيكات والتعاظم الميداني للمقاومة آخذة بالاتساع بالتزامن مع قوة حاضنتها الشعبية وإسنادها الدولي، وهذا ما يقودنا إلى الزاوية الثانية.
الزاوية الثانية وهي المعادلة الدولية التي في متغيراتها الجديدة تضرر الاحتلال كثيرًا فيها سواء بالدعم المباشر والإسناد المادي والعسكري واللوجستي والذي كان مثلًا من أوكرانيا، وكذلك تضرر الاحتلال على صعيد إغلاق النوافذ على الفلسطينيين ومنع روايتهم من الوصول إلى عواصم مهمة لتبقى هي المسيطرة، حيث أن ورقة روسيا ومن معها باتت في مهب الريح في ظل نكسة الاحتلال في تعاطيه في ملف أوكرانيا واعتماده على نظرية الأمريكان أن روسيا ستخسر هناك ويجب أن نشكل حزاما دبلوماسيا لإحباطها؛ فجاءت الرياح بعكس ما تشتهيه سفن الغرب، فدخل الاحتلال في مأزق التمزق الدولي الذي بات جزءا منه وسيفقد أقطابا مهمة كان اعتبرها تلقائيا على مدار عقود أنها سد منيع له.
الزاوية الثالثة وهي التي يخافها كثيرا الاحتلال وهي الحاضنة الشعبية التي امتدت للقدس والداخل وتعززت وتعمقت حتى امتدت خارج الحدود، وبات السيف تهتف به حناجر مئات الملايين، وهذا مؤشر خطير على رواية وأسس ومعادلة الاحتلال التي بنى دولته على قواعدها.
فالحاضنة الشعبية التي عمل على تحطيمها لعقود سواء بملف القومية في الداخل والتهويد في القدس والعنف في الضفة الغربية والحروب في غزة والإعلام المضلل الموجه للعالم والإقليم كله الآن نسفت أمام سيف لم يغمد وأثره يتوسع.
يحاول الاحتلال عبثا نشر الفتنة والمشاكل العائلية عبر زعرانه في الضفة الغربية لإشغال الناس في حالها، وكذلك تصعيد بحق المقدسيين والداخل في إطار الهدم والإخطارات وسحب الإقامات واستكمال الجدار والتضييق اليومي، ويعمل على صعيد خارجي بماكينة إعلامية ودبلوماسية تحاول تغيير حقائق ثبتها سيف القدس وسجلتها عدسات الكاميرات ليس في قضية اغتيال شيرين وحسب؛ وإنما مشهد الجنازات واقتحام المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وقتل على الحواجز وعربدة المستوطنين، كل هذه الجرائم لم تسعف الاحتلال في تغيير المشهد في الزاوية الدولية.
بين عربات النار وكاسر الأمواج وتلطيف المشهد دوليا يبقى سيف القدس في الميدان وحقيقة يراقبها محللون وعسكريون وسياسيون أنه بالفعل يحقق هدفه منذ أن سلته المقاومة في مايو الماضي، وأكدت أنه لن يغمد حتى تحرير الأرض، وهذا ما باتت تردده قيادات وازنة لدى الكيان عن لعنة العقد الثامن أو التساؤل عن استمرارية الكيان.