فلسطين أون لاين

أمضى في السجون أكثر من ربع قرنٍ.. مَن حسن سلامة؟

...
الأسير القائد حسن سلامة
الناصرة- غزة/ أدهم الشريف- وكالات:

كان الصمت يفرض نفسه بقوة على والدة الأسير حسن سلامة عندما رأته لأول مرة بعد طول انقطاع بقرار من سلطات الاحتلال الإسرائيلي طال جميع أسرى قطاع غزة قبل سنوات، وتلجمت حينها، وكادت أن تبكي.

لكن هذه الحالة سرعان ما تحولت إلى فرح أطلقت في إثرها والدته زغاريد بعالي صوتها.

كان هذا المشهد قبل بضع سنوات خلال زيارتها لنجلها المعتقل في سجون الاحتلال.

وبدأ سلامة البالغ عمره (52 عامًا) من محافظة خان يونس، جنوبي قطاع غزة، الثلاثاء الماضي، السنة الـ 27، منهيًا أكثر من ربع قرن بالتمام والكمال في غياهب السجون منذ اعتقاله على يد قوات الاحتلال في 17 مايو/ أيار 1996، حسبما أفادت إذاعة صوت الأسرى.

والأسير سلامة هو أحد قيادات كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، واعتقلته قوات الاحتلال بعد سلسلة عمليات فدائية كان هو المسؤول عنها، وحكم عليه بالسجن المؤبد 50 مرة.

وخلال سنوات طويلة قضاها سلامة من عمره في السجون، حرمته سلطات الاحتلال زيارة والدته له بسبب حقدها -السُلطات- عليه، وعندما رأته أمه لأول مرة بعد الحرمان الطويل كادت أن تبكي، قبل أن تطلق زغاريد الفرحة وسط السجن.

ولد سلامة في 9 آب/ أغسطس لعام 1971، في خان يونس، وترعرع وتربّى بين أزقة وشوارع وجنبات معسكر اللاجئين في المدينة، حيث بدأ التزامه الديني منذ صغره، والتزم في مسجد الإمام الشافعي وتربى على يدي عدد من الشباب الملتزم.

وحسبما تنقل تقارير عن عائلته، فإن سلامة كان ملتزمًا دينيًا منذ صغره ويعقد لقاءات للأشبال يعلمهم فيها قراءة القرآن الكريم والأخلاق الحميدة المستمدة من سنة رسولنا محمد، عليه الصلاة والسلام.

فترات الاعتقال

مع اندلاع انتفاضة الحجارة نهاية سنة 1987، شارك سلامة في مختلف فعالياتها منذ بداياتها وانضم إلى جهاز العمل الجماهيري التابع لحركة حماس، وكان ينظم العديد من الأنشطة الموكلة إليه، تعرض في إثرها للاعتقال خمس مرات؛ أولها كان في أكتوبر/ تشرين الأول 1988، حيث اعتقل 6 أشهر إدارية قضاها في سجن النقب.

والمرة الثانية، اعتقله الاحتلال في مايو/ أيار 1989، أما في الثالثة قضى 6 شهور بالنقب في ديسمبر/ كانون الأول 1990، وقضى 6 أشهر إدارية في النقب، وخلال المرة الرابعة من اعتقاله في أكتوبر/ تشرين الأول 1991 قضى 6 أشهر إدارية أيضًا في النقب، وفي اعتقاله الخامس في مارس/ آذار 1992 اعتقل 6 أشهر إدارية بالنقب.

وبعد إطلاق سراحه من اعتقاله الأخير، وخلال نشاطه ومشاركته في المواجهات ضد جنود الاحتلال، أصيب بطلق ناري في فخده اليُسرى وكانت إصابته متوسطة.

انضم حسن إلى مجموعات الصاعقة الإسلامية التابعة لحركة حماس، والتي كانت تنشط في قطاع غزة لملاحقة العملاء والمتعاونين مع الاحتلال، وترأس إحدى هذه المجموعات العاملة في مدينة خان يونس، ونتيجة لاعتقال أحد أفراد المجموعة كلفته قيادة الحركة بالسفر إلى خارج فلسطين حتى لا تعتقله قوات الاحتلال.

وبالفعل استطاع سلامة التنقل بين العديد من الدول العربية مثل سوريا وإيران وليبيا والسودان، وشارك آنذاك في العديد من الدورات العسكرية التي أهلته ليكون جنديًا وقائدًا عسكريًا مميزًا، وفق ما يورده الموقع الإلكتروني لكتائب القسام.

ومع بداية مجيء السلطة إلى غزة إثر اتفاق (أوسلو) الموقع بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي، سنة 1993، عاد سلامة إلى غزة عبر الحدود المصرية الفلسطينية وكان برفقته عماد عباس أحد قادة القسام، واعتقلتهم السلطة لحظة وصولهم، ومكثوا في سجون السلطة خمسة أشهر إلى أن تدخلت قيادة حماس في القطاع وأفرج عنهم.

وما لبث أن أطلقت أجهزة أمن السلطة سراحه، حتى بدأ ينفذ العديد من الاتصالات والتحركات التي أثمرت في النهاية إلى التحاقه مجددًا بالجناح العسكري لحركة حماس كتائب القسام في قطاع غزة، وأصبح يعمل مباشرةً إلى جانب القائد العام للجناح العسكري آنذاك محمد الضيف، وكان على علاقة وطيدة مع المهندس الشهيد يحيى عياش، وقد تمكن خلال هذه المرحلة من تنفيذ العديد من عمليات إطلاق نار على جيبات ومواقع الاحتلال حول قطاع غزة.

وفي تطور ملحوظ حاول القيام بتنفيذ عملية استشهادية من خلال إرسال أحد الاستشهاديين إلى موقع عسكري يقع غرب معسكر خان يونس، حيث وصل الاستشهادي معاوية روكة إلى الموقع العسكري المحدد وفجّر نفسه؛ ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات بين صفوف جنود الاحتلال، وفق موقع القسام.

ويشير الموقع إلى أن هذه العملية كانت بداية اختفاء حسن سلامة عن الأنظار ومطاردته من قوات الاحتلال وأمن السلطة بعد تلقيهم معلومات حول وقوفه خلف تلك العملية الاستشهادية.

اغتيال يحيى عياش

تفيد كتائب القسام أنه بعد اغتيال جيش الاحتلال وعملائه المهندس يحيى عياش، سنة 1996، قررت الرد على عملية الاغتيال، وكان حسن سلامة قد تقدم بطلب ليكون أحد الاستشهاديين الذين سينفذون العمليات الاستشهادية ردًّا على الاغتيال، إلا أن القيادة العسكرية لحماس رفضت ذلك وأوكلت له مهمة تخطيط وتنفيذ عمليات الرد القسامية برمتها.

وبناءً على ذلك بدأ سلامة الاستعداد لمرحلة جديدة من حياته الجهادية، وذلك عبر الانتقال إلى الضفة الغربية، وقد نجح في ذلك.

بعد وصوله إلى أراضي الضفة بدأت أولى خطوات التخطيط لتنفيذ العمليات الاستشهادية المتفق عليها، وبعد مرور 40 يومًا على حادثة الاغتيال، تمكن سلامة وعدد من المجاهدين من تنفيذ ثلاث عمليات استشهادية في عمق الاحتلال أدت في حصيلتها النهائية حسب موقع القسام إلى مقتل 46 إسرائيليًا، وإصابة العشرات.

ودفع ذلك الاحتلال إلى فرض طوق عسكري وأمني على الضفة الغربية وقطاع غزة، وبدأت حملة اعتقالات ضخمة في صفوف أعضاء حماس، وقد تأكد الاحتلال وأجهزة أمن السلطة أن حسن سلامة هو من يقف خلف تنفيذ العمليات الاستشهادية، ونتيجة لذلك وعلى الفور بدأت أكبر حملة من المداهمات والرصد والمتابعة له ولكل من له صلة أو علاقة به من قريب أو بعيد.

اعتقال سلامة

استطاعت قوات الاحتلال اعتقال سلامة في 17 مايو/ أيار 1996، من خلال حاجز عسكري مفاجئ أقامته قوات الاحتلال في مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة.

عندما وصلت السيارة التي كان يستقلها سلامة إلى الحاجز فوجئ بهم ولم يتمكن من فعل شيء، وسيطر الجنود على السيارة، وطلبوا من الركاب النزول منها، وكان من بينهم المطلوب الذي يبحثون عنه منذ فترة، لكنه تمكن من الهرب من بين جنود الاحتلال فقام أحدهم بإطلاق النار عليه؛ ما أدى إلى إصابته في بطنه، ورغم الإصابة استمر سلامة في الهرب حتى أغمي عليه ووقع على الأرض ولم تتمكن قوات الاحتلال من العثور عليه.

واستطاع مواطنون نقل سلامة إلى مستشفى عاليا بمدينة الخليل، حيث أجرى الأطباء عملية جراحية سريعة له دون التعرف عليه بعد، ولم يمضِ وقت طويل حتى حاصرت قوات الاحتلال المستشفى وأقسامها واعتقلته وهو جريح ونقلته بمروحية عسكرية إلى مستشفى "هداسا" في الداخل المحتل.

ومنذ اللحظة الأولى لاختطافه بدأت أجهزة العدو الأمنية في إخضاعه للتحقيق المباشر، واستمر 3 شهور متواصلة تعرض خلالها لأبشع صور التعذيب اللا إنسانية.

وأورد موقع القسام أبرز التهم الموجهة إليه، وتتمثل بالانتماء لحركة حماس والانضمام والعمل في جهازها العسكري كتائب القسام، والمشاركة في نشاطات الانتفاضة 1987، والمشاركة والعمل ضمن مجموعات الصاعقة الإسلامية التي كانت تعمل على ملاحقة العملاء، والتسبب في مقتل أحد العملاء والمشاركة في ضرب العديد منهم، وتزويد الجهاز العسكري لحماس بالمواد المتفجرة المهربة من الخارج، وتزويد الجهاز العسكري بماكينة لطحن مادة "TNT" شديدة الانفجار، والانتقال والعيش في دول عربية معادية وتلقّي مختلف التدريبات العسكرية فيها والتخطيط والتنفيذ لثلاث عمليات تفجيرية استشهادية أدت إلى مقتل 46 إسرائيليًا وإصابة العشرات بجروح، وذلك ردًّا من الكتائب على اغتيال المهندس عياش.

وخلال اعتقاله عقد حسن قرانه على الأسيرة المحررة من سجون الاحتلال غفران الزامل، وتنحدر أصولها من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية.

وكان حسن سلامة أعد كتابًا يتضمن تفاصيل تنفيذ عمليات الرد على اغتيال المهندس عياش، وهو داخل السجن، وقد رأى الكتاب النور قبل عدة سنوات بعنوان: عمليات الرد المقدس على اغتيال الشهيد المهندس يحيى عياش.