أظهرت نتائج الانتخابات الطلابية في جامعة بيرزيت تقدُّما كبيرًا وفوزًا كاسحًا لصالح (كتلة الوفاء الإسلامية) الذراع الطلابي لحركة المقاومة الإسلامية حماس في الضفة الغربية المحتلة، هذا الفوز شكّل تطورًا لافتًا في المشهد الفلسطيني؛ لأنه كان زلزالًا سياسيًّا هز أركان قيادة السلطة وحركة فتح، ولم يقف عند هذا الحد بل شكّل دافعًا لعشرات الكوادر المركزية والمفصلية إما لمهاجمة السلطة وقيادة الحركة علنا، وإما اللجوء إلى الاستقالات الجماعية، وذلك من هول الصدمة النفسية والسياسية والجماهيرية التي ألمت بهم، فالنتائج كانت مفاجئة وغير متوقعة في حساباتهم.
وكانت عمادة شؤون الطلبة في جامعة بيرزيت أعلنت وفي ختام فرز الأصوات عن حصول (الكتلة الإسلامية) على 5068 صوتًا بما يوازي 28 مقعدًا، وذلك من أصل 51 هي مقاعد مجلس الطلبة، بينما حصلت كتلة الشبيبة الطلابية المنافسة لها على 3379 صوتًا بما يوازي 18 مقعدًا، وهذا فارق كبير وغير مسبوق للكتلة الاسلامية، والتي بفوزها صعقت كل من كان يراهن على تراجع حضورها ودورها، وسعى لإزاحتها من المشهد الطلابي على مدار سنوات خشية من تعاظم قوة حماس في الضفة الغربية.
هذه النتائج لم يقف حدود تأثيرها داخل الجامعة بل امتد إلى مختلف محافظات الضفة الغربية بل والأراضي الفلسطينية لأنه ببساطة أعطى مؤشرات هامة للغاية بعد أن شاهدنا الفرحة تعم الأراضي الفلسطينية بفوز الكتلة الإسلامية، ولاحظنا مدى الإحباط الشديد الذي أصاب الجمهور الفتحاوي في مختلف المناطق، وبيّن أن أي محاولة لإجراء الانتخابات في أي من المناطق سيفرز حتمًا نتائج مرضية بل كاسحة لحركة حماس، وسيشكل انتكاسة جديدة لحركة فتح والتي تعيش (ظروف الاحتضار) حاليًّا وتفقد مناعتها أمام الحالة المرضية التي أصابت بنيتها التنظيمية ومشروعها السياسي.
وقد جاء هذا الفوز بعد حملة قاسية وممنهجة من الملاحقات والتهديد تعرض لها كوادر الكتلة الإسلامية في الجامعة، واعتقال 7 من الطلبة المنتمين لها من قوات الاحتلال بعد مشاركتهم في المناظرة الانتخابية، وتصاعُد الاستهدافات من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة، بغرض منع الكتلة الاسلامية من إحراز أي تقدُّم والقضاء على أي إمكانية لنجاحها في مواجهة الشبيبة الفتحاوية، فجاءت النتائج مرضية لحركة حماس وكل من يؤمن بمشروع المقاومة، ومخيبة للآمال بل صادمة لحركة فتح وقيادة السلطة وكل من يؤمن بمشروعها المتهاوي.
ما حدث جعل حركة فتح وقيادة السلطة في وضع صعب وعلا على السطح التراشق والتلاوم وتحميل المسؤوليات حول هذا السقوط المدوي، والذي كشف وبكل وضوح عن أزمة عميقة تعيشها الحركة، وبين حقيقة وزنها في الشارع الفلسطيني، وأظهر تراجعًا واضحًا وكارثيًّا لها داخل المجتمع الفلسطيني، لأنها وبكل بساطة كانت مغيبة تمامًا ولا تقرأ مزاج الشارع بكل موضوعية، وتأخذها العزة بالإثم معتبرة نفسها (أم الجماهير) بينما الجماهير ساخطة عليها، وتستعد لعقابها في أي استحقاق انتخابي.
وفي الوقت ذاته فإن تقدُّم الكتلة الإسلامية بهذا الشكل وتحقيقها هذا الفوز الكاسح يعني: 1/ أن شعبنا الفلسطيني يصوت لبرنامج ومشروع المقاومة، 2/ أن الجماهير لا تريد أي مشروع سياسي قائم على التنازل والتفريط والمساومة على حقوق الشعب الفلسطيني، 3/ أن حركة حماس تتمتع بحضور غير عادي ولديها ثقل جماهيري يؤهلها لتحقيق إنجازات أخرى،4/ أن الملاحقة والاستهداف لا يكسر إرادة الحركة وإطارها الطلابي وإنما يمثل حافزًا لمواصلة العمل والتحدي والمواجهة، 5/ أن مراهنة الاحتلال والأنظمة المطبعة على تغييب الحركة ومحاصرتها وإفقادها توازنها عبر ملاحقة الاحتلال والدعم السخي للسلطة في الضفة لم يحقق الهدف المطلوب.
إن ما حدث في جامعة بيرزيت لا يقلق السلطة وحركة فتح وحدهما بل يقلق الاحتلال وبعض الأنظمة العربية ومن قبل ذلك الإدارة الأمريكية، لأن ذلك مؤشر على عودة الحركة للضفة الغربية واستعادتها عافيتها مجددًا، ومدى القوة الجماهيرية التي تمتلكها، وإيمان الشعب الفلسطيني بمشروعها، وأكثر من ذلك في أن المؤشر يشير لخطر شديد تعيشه حركة فتح والسلطة الفلسطينية والتي تتآكل من الداخل في ظل احتدام الخلاف البيني بين مكونات السلطة وأيضًا بين مكونات الحركة، الأمر الذي يجعل كلا من السلطة الفلسطينية وحركة فتح على هامش التأثير السياسي والجماهيري، ويبشر بميلاد عهد جديد ترتفع فيه البندقية في كل ميدان في مواجهة الاحتلال.