فلسطين أون لاين

الائتلاف الحكومي الضعيف يجعل خيار "المباغتة" مستبعدًا

تقرير بـ"عربات النار".. جيش الاحتلال يحاول استعادة ثقة الإسرائيليين المفقودة بالأمن

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

بالتزامن مع توتر الأوضاع في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل وتصاعد عمليات المقاومة، بدأ جيش الاحتلال مناورته التي تحاكي شهرًا من حرب شاملة من عدة جبهات، والتي كانت مقررة العام الماضي وأُجِّلت بسبب معركة "سيف القدس".

المناورة وفق خبراء عسكريين ومتخصصين في الشأن الإسرائيلي تحدثت إليهم صحيفة "فلسطين"، محاولة لاسترداد الروح المعنوية الإسرائيلية المنخفضة بعد سلسلة عمليات مقاومة فشلت المنظومة الأمنية في منعها، بهدف استعراض القوة وإعادة الثقة للجمهور الإسرائيلي، في حين يبقى خيار استخدام المناورة للمباغتة بالهجوم على غزة مستبعدًا لكون حكومة الاحتلال ضعيفة وفي نهايتها وهناك مطالب إسرائيلية بتفكيك الائتلاف.

وتأتي المناورة مع زيادة مخاوف المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية من تصعيد قادم أكثر خطورة في الضفة الغربية، مع تدهور الأوضاع وزيادة حدة التوتر والغليان الشديدين، في أعقاب استشهاد ثلاثة شبان فلسطينيين أول من أمس وزيادة جرائم الاحتلال بحقّ الشعب الفلسطيني، ما قابله بتصاعد عمليات المقاومة التي باركتها الفصائل الفلسطينية والتي رفعت حصيلة عدد القتلى الإسرائيليين إلى 18 إسرائيليًّا في غضون شهر ونصف.

أهداف عسكرية

وبحسب الخبير العسكري اللواء المتقاعد واصف عريقات، فإنّ أي مناورة لها أهداف ورسائل متعددة، أولها بناء قدرات ومهارات والاستفادة من الدروس الماضية، معتقدًا أنّ مناورة الاحتلال الهدف منها التمليح والتهديد باستخدام القوة العسكرية، وهي توصل رسائل للجبهة الداخلية الإسرائيلية وكذلك للفلسطينيين بالتأثير في معنوياتهم واستعراض قوتهم.

وقال عريقات لصحيفة "فلسطين"، إنّ هذه المناورات تعمل على تهجير أهالي والقرى الفلسطينية، فلو كان الهدف منها بناء قدرات فصحراء النقب هي مناسبة لذلك"، معتقدًا أنها رسالة استعداد للحرب.

تأتي المناورة في وقت يهدد فيه قادة الاحتلال بشن عملية عسكرية في جنين أو غزة وهذا ما يطرح تساؤلًا حول جدية التهديدات في ظل تصاعد المقاومة بالضفة الغربية والداخل المحتل، رغم أنّ الاحتلال وعبر العقود الماضية اعتمد على أسلوب الحرب الخاطفة التي لم يكن يعلن عن تفاصيلها كما يقوم حاليًّا.

لكن عريقات، يرى أنه لم يعد هناك مجال للاحتلال باستخدام العقيدة القتالية السابقة أي بعنصر المباغتة والمفاجأة، لأنّ المقاومة استطاعت تغيير قواعد الاشتباك واللعبة، ولم يعد مسرح العمليات كما كان في السابق، وتصدير الأزمات أصبح شبه مستحيل، لأن هناك فاتورة ستُدفع، والقتال أصبح في قلب فلسطين، كما أنّ الاحتلال لا يستطيع تحديد مُجريات المعركة، عازيًا تغيير العقيدة العسكرية والأمنية إلى قوة المقاومة ومهاراتها في معركة العقول.

اللافت في مناورات الاحتلال في العامين الماضيين أنها تحاكي حروبًا من عدة جبهات، وهذا ما يرى فيه عريقات أنه رد على التهديدات التي يشعر فيها الاحتلال أنها محيطة به، ومصدر للقلق، بعدما كان يحاول سابقًا الاستفراد في كل محور وحده، والآن أصبح هناك محور للمقاومة يمتد من فلسطين إلى إيران، ويحاول الرد على مصدر التهديد.

وعن إمكانية استخدام المناورة كخدعة لشنّ عملية عسكرية هجومية، لا ينفي عريقات إمكانيات حدوث هذه الخدعة، وهذا واقع اعتاده الفلسطينيون، ولكنّ المعطيات الحالية تشير إلى أنّ القيادة الإسرائيلية الحالية ضعيفة وهشّة، وهي في طريقها إلى الزوال لأنها فشلت، والجبهة الداخلية الإسرائيلية تطالب بإنهاء التحالف وتعتقد أنّ القيادة الإسرائيلية غير جديرة بالتقدير.

ولفت إلى أنّ ذلك قد يدفع رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت الذي تتهدده المخاطر من كل جانب، للذهاب لعملية عدوانية سواء بالضفة أو بغزة، ولكن يبقى "هناك ثمن، هل هو قادر على دفعه بالواقع، أعتقد ذلك صعبًا في الوقت الحالي".

رسائل سياسية

لا يعني أن حكومة الاحتلال على وشك الانهيار، بحسب المختص في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد، بأن يحدث ارتباك لدى المستوى الأمني الإسرائيلي يدفع باتجاه عدم المناورة، لذلك تأتي المناورة في سياقات مهمة أولها الشعور بتراجع ثقة الجمهور بالأمن، لذلك تريد إثبات عكس ذلك خلال المناورة، والثانية محاولة لقمع المقاومة بالضفة وإرباكها في غزة.

ثمة رسائل سياسية عديدة تحاول دولة الاحتلال إيصالها، كما تحدث أبو عواد لصحيفة "فلسطين"، أولاها للجبهة الداخلية الإسرائيلية أن الأمن متحقق، وأن دولة الاحتلال تعمل بكل قوة وحزم لقمع المقاومة، والثانية باتجاه الإقليم بأنها جاهزة للذهاب بعيدا للحرب، وأن الحكومة ما زالت تعمل ومتماسكة.

يستبعد أن تكون هناك قدرة على الهجوم والمباغتة ليس لأن الحكومة ضعيفة، بل لأنها تقاد من المستوى الأمني بقيادة وزير جيش الاحتلال بيني غانتس، وهو مختلف في رؤيته عن نفتالي بينيت وغير مستعد للمغامرة في حرب لإنقاذ الأخير سياسيًّا، وهذا ما يدفع باتجاه ألَّا يقدم على هجوم مخادع أو افتعال حرب، علاوة على عدم رغبتها في إشعال غزة لأنها ستشعل جبهات أخرى معها.

ويتوافق رأي المختص في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور مع رأي أبو عواد، مشيرًا إلى أنه بعد خطاب رئيس حماس في غزة يحيى السنوار اتضح أن هناك جبهة إقليمية واحدة يمكن أن تشن هجومًا واحدًا، من ثم توصل دولة الاحتلال رسالة لمحور المقاومة أنها لا تخاف وجاهزة للتعامل مع ذلك وتتحضر لإدارة معركة من أكثر من جبهة.

وقال منصور لصحيفة "فلسطين"، إن هناك هدفًا واضحًا للمناورة، بمحاولة استعراض القوة أمام الجمهور الإسرائيلي لاسترداد الروح المعنوية المنخفضة بعد سلسلة من العمليات التي فشلت المنظومة الأمنية في منعها، وعليه فإن ذلك يدفع المناورة لتأدية أكثر من وظيفة، ولا يستبعد أن تستغلها دولة الاحتلال للمباغتة، فلا "يؤمن غدر حكومات الاحتلال" ورغم إمكانية حدوث ذلك، يستبعده منصور.