على مدخل البلدة القديمة لمدينة نابلس من الجهة الغربية يتربّع حي الياسمينة، صاحب الشهرة الواسعة، الذي يتميز بطابع معماري خاص ويحمل موروثًا من الحضارات القديمة التي تعاقبت على المدينة.
عماد حنون (58 عامًا) من سكان حي الياسمينة، يوضح أنّ حارة الياسمينة تقع جنوب غرب البلدة القديمة، وسُمّي بذلك نسبة إلى زهرة الياسمين التي لم يكن يخلو بيت نابلسي منها.
ويرتبط حنون بالحي ارتباطًا وثيقًا، ففيه قضى طفولته وشبابه، "وأهالي الحي مُحبّون للحياة، يسود بين عائلاتهم الترابط الأسري في أوقات أفراحهم وأحزانهم".
وللياسمينة حكاية في الحيّ الذي يلقب بـ"دمشق الصغرى"، فلكل امرأة من سكانه يوم استقبال تجمع فيه نساء في بيتها تحت ظلال تلك الشجرة، وهو بمنزلة اجتماع شهري. وفي أثناء وجودهم يصنعن الحلويات معًا وبعض الأكلات التي تتطلب أيديًا عاملة ومساعدة، ويغنون الأغاني التراثية.
ويشير حنون إلى أنّ الياسمينة لا تزال موجودة في غالبية بيوت الحي، وهناك اهتمام من قبل الأهالي بالزراعة البيتية، وكان يوجد في الحي قديمًا بساتين زراعية أقيم بدلًا منها مدارس، ودواوين عائلية لإقامة المناسبات الخاصة بعائلات الحي.
ويلفت إلى أنّ الحي تعرض لهجوم من الاحتلال الإسرائيلي وهدم البيوت، إلا أنهم أعادوا بناءه فلا يزال أهالي الياسمينة متمسكين بالعيش فيه، فالإنسان دون جذور ليس له وجود.
ويبين أنّ بعض العائلات تمتد جذورها إلى 400 عام، واصفًا سكان الحي بالبسطاء وغالبيتهم من فئة العمال الذين يعملون في مقالع الحجارة، والقصارة، والنجارة والحدادة، وبعضهم متعلمون من حملة الشهادات.
إرث عثماني
ويحتوي الحي على الكثير من الفن المعماري القديم المتمثل في بيوت أنشئت قبل مئات السنين، ومن أعرقها بيوت أبو شلبك وعبد الهادي وشقير وشريف وحمودة (صانع الخير) وتحتوي أيضًا على قصر عبد الهادي، ويقع وسط حارة الياسمينة فوق جامع الساطون، وفق الحكواتي طاهر باكير.
ويضيف باكير، تشتهر نابلس بـ"الأحواش" فهي تميزت عن غيرها من المدن الفلسطينية، إذ يعد "حوش" العطعوط أحد "الأحواش" الشهيرة، ويتميز بطول الممرات وتفرعها وكثرة الساكنين فيه، ومر كغيره من "الأحواش" بما مرت به البلدة القديمة من ترميم، وهو ينسب لعائلة العطعوط النابلسية التي كانت تسكن فيه منذ العهد العثماني.
ويعد "حمام السمرة الهنا" أحد أشهر الحمامات التركية في نابلس وأكثرها جمالًا وتميزًا. ويعود تاريخه إلى ما قبل 2150 عامًا، وقد أنشأه السامريون الذين يقطنون في جبل جرزيم (أحد جبلي المدينة) ويقع في البلدة القديمة وبالتحديد في حارة الياسمينة.
ويلفت باكير إلى قصر عبد الهادي وشقير وشريف وحمودة، وجامع الخضراء، جامع الساطون الذي يقع في قلب الحي وقد وقعت فيه أحداث مؤلمة عام 1967 في أثناء احتلال المدينة، واجتياحها عام 2002، كأحد أفخر المباني التي يضمها الحي.
ويضيف أن الحي يضم ديوان الياسمينة الذي يقيم فيه غالبية العائلات مناسباتهم الاجتماعية من أفراح وأتراح، أو حتى أنشطة ثقافية، إلى جانب 7 أفران، و10 مصابن لصناعة الصابون النابلسي.
ويذكر باكير أن عائلات الياسمينة اشتهرت ببعض المهن، فكان لكل عائلة مهنة تتقنها وتتميز بها، فامتازت عائلة "صانع الخير" والتي تتفرع منها عائلة حمودة واصبيح والصروان، بالبناء والإعمار، فبنوا منارة نابلس وسجن نابلس المركزي وكذلك بيوت العائلة القديمة في الياسمينة.
ويتابع، أن عائلة بريك تشتهر بالعطارة فهي تمتلك عطارة بن بريك منذ 400 عام وتحوي كل منتجات الأعشاب والبذور، بعضها يستخدم للمأكولات الشعبية، وأخرى للعلاجات الشعبية وتحول مكانها إلى ملاذ للسائحين والزوار.
وقد اشتهرت بعض عائلات الياسمينة بنقشهم الحجر الطبيعي الخاص بالبناء، فهم مهندسون بالفطرة، أتقنوا بناء البيوت المقوسة والمنحنية وأبدعوا في المجال المعماري، وعائلات أخرى اشتهرت بالعطارة وبيعها للأعشاب والبذور والعلاجات العشبية، حتى إن العطارة كانت ملاذًا للسائحين والزوار.
ولعب حي الياسمينة دورًا كبيرًا في الانتفاضة الأولى عام 1987، واجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي للمدينة عام 2002، إذ تعرض لعمليات هدم طالت مصابن ومحال ومنازل، وجرى هدم مدخل الحي بالمتفجرات لدى اقتحامه في بدايات الانتفاضة الثانية.
ويلفت باكير إلى أن حي الياسمينة يعد قبلة أولى للوفود السياحية الأجنبية التي تصل للتعرف إلى المعالم التاريخية، ووجهة للمصورين لالتقاط صور تراثية جميلة.
غير أن الحي يعاني هجران غالبية المنشآت التجارية في شوارعه الضيقة، نحو التجمعات التجارية الكبيرة وأسواق الأحياء الراقية، إلى جانب انتقال أعداد كبيرة من شبانه للسكن خارجه، واقتصار الإقامة فيه على كبار السن.