لم تهدأ الموجات الارتدادية لزلزال العمليات الفردية داخل تل أبيب وخارجها، لا سيما بعد زلزال (إلعاد) غير المتوقع إسرائيليا. الإحساس بالفشل الكبير هو من أهم هذه الارتدادات الباعثة على الخوف والقلق. الفشل واقع حقيقة، والإحساس به يضرب الوعي الإسرائيلي بأجمعه، ومن هنا يأتي الخوف والقلق، لأن من يفشل يتصرف بردة فعل وبلا وعي، وينطلق من عقدة الانتقام، ولا سيما إن كانت قوته أكبر من قوة خصمه.
من مركز عقدة الفشل، وغطرسة القوة، تنطلق تصريحات حكومة بينيت وقراراتها المحتملة، ومنها على سبيل احتمال العودة للاغتيالات، والقيام بحملة عسكرية واسعة النطاق، وبسلسلة من العقوبات ضد العمال القادمين من غزة والضفة.
العودة للاغتيالات قابلتها فصائل المقاومة بقرار فلسطيني بالعودة إلى العمليات الاستشهادية، أي لا يردع قرار الاغتيال إلا قرار مشابه وبوزن ثقيل. هذا ومن المعلوم أن اغتيال قيادي فلسطيني يعني إطلاق صواريخ بحجم القيادة التي تعرضت للاغتيال، وهذا يعني دخول المنطقة في حسابات مفتوحة، وخروج الأوضاع عن السيطرة.
والقيام بحملة عسكرية إسرائيلية في جنين أو غزة يعني ردود فعل فلسطينية موازية، وسقوط التهدئة، وسقوط حكومة بينيت، وفي النهاية فشل العملية العسكرية في تحقيق أهدافها، بقمع المقاومة، والقضاء المبرم على العمليات الفدائية الفردية، ذلك أن العملية العسكرية ستزيد إشعال نار الانتقام من العدو للضحايا الذين يتوقع سقوطهم في هذه العملية العسكرية، والانتقام حالة داخلية لا يمكن معالجتها بالغلبة في السلاح.
المقاومة الفردية لا تنتهي بالاغتيالات، ولن تنتهي بعملية عسكرية موسعة في غزة أو جنين، ولكنها ربما تنتهي بتقرير المصير، وبالابتعاد عن المسجد الأقصى فورا، فإذا ما واصلت حكومة الاحتلال في احتلالها، وبتجاهل حقوق الفلسطينيين، وقامت بحماية سفهاء دعاة الهيكل، فإن عمليات المقاومة ستتواصل في تل أبيب وغيرها. مسألة المقاومة شدة وضعفا لا ترتبط بالقائد الفلاني، ولكل قائد احترامه ومنزلته، ولكنها ترتبط بحق الوطن في الحرية، وحق المواطنين في تقرير المصير والدولة والسيادة.
هذه المفاهيم تعرفها جيدا حكومات تل أبيب المتعاقبة، ولكنها تتعمد تجاهلها وحرف بوصلتها، بالتواصل مع القاهرة، أو بالتهديد بالاغتيالات، أو باجتياح غزة أو جنين، ومع ذلك فإن انحراف البوصلة إسرائيليا لا يعني انحرافها فلسطينيا، فالفلسطيني عرف طريقه، وهو يمارس حقه في الدفاع الشرعي ضد محتل يدينه القانون الدولي، وتقف ضده قرارات الشرعية الدولية.