تتواتر التصريحات والتحليلات الإسرائيلية المتنوعة والكثيرة، والإنذارات المهددة والمتوعدة، لكل فلسطيني وكل تنظيم وفصيل، بعد كل عملية تنفذ في الأراضي الفلسطينية، سواء داخل الضفة الغربية المحتلة والقدس، أو الداخل المحتل.
ويأتي ذلك في محاولة لنفي السبب الحقيقي لهذه العمليات، وتحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية عن "الإرهاب" ورمي الفلسطينيين بداء (إسرائيل) الأصلي (ونعني الإرهاب) والظهور بمظهر الدولة الضحية.
فتارة هو التحريض في مناهج التعليم الفلسطينية، وتارة أخرى هو التحريض في شبكات التواصل الاجتماعية، وأحياناً هو التحريض الديني والتعصب الديني الإسلامي، وتارة أخرى هو محاولات الشبان والشابات الفلسطينيين والفلسطينيات الخلاص من إحباطهم ويأسهم ومشاكلهم بالفرار إلى قتل إسرائيلي وتنفيذ عملية، إلخ.
هكذا تعمل ماكينة الاحتلال، سواء كانت بتغطية خبراء لشؤون العرب، أو خبراء عسكريين وخبراء في شأن الإرهاب. ويتم سرد كل عامل وكل سبب يمكن أن يتصوره الخيال، كمفسر بديل للسبب الحقيقي الوحيد، وهو الاحتلال وممارساته.
فـ(إسرائيل) لا تستطيع الانفكاك من عقيدتها الصهيونية العنصرية والاستعلائية التي لا ترى بالشعب الفلسطيني مساوياً لأي من شعوب العالم، كي يصرّ على رفض الاحتلال وعلى مقاومة الاحتلال الأجنبي، سواء من خلال عمليات فردية أو عمليات فصائلية منظَّمة، أو انتفاضة شعبية.
هي تريد للفلسطيني أن يسكت بداية وقبل كل شيء على حقيقة احتلال وطنه، ومصادرة حرياته كلها بمجرد فقدانه للسيادة على وطنه، وما يترتب على ذلك من فقدانه لحق تقرير مصيره وتنظيم حياته كشعب مثل باقي شعوب الأرض. وهي تريد من الشعب الفلسطيني أن يقبل بمكانة دونية في وطنه، وأن يقبل بكل ما يرافق ذلك من سيطرة وتحكّم بكل مجالات الحياة، ومصادرة مصادر الرزق والعمل والأرض والحركة، وأن يكون فوق كل هذا شاكراً لأنها تترك له بعضاً من الهواء كي يتنفس.
وما دامت دولة الاحتلال الإسرائيلي تتسلح بعقيدتها العنصرية ونظرتها الدونية للفلسطينيين أولاً، ثم لباقي العرب، فمن "الطبيعي" في عُرفها، أن تستكثر على هذا الشعب أن يقاوم الاحتلال، أو حتى أن يفكر مجرد تفكير بالمقاومة.
ليس واضحاً إلى أين ستتجه الأمور في المستقبل المنظور، وهل سيقود التصعيد الإسرائيلي لتكريس التقسيم الزماني في الأقصى، والرد الفلسطيني، إلى جولة جديدة من القتال (في غزة مثلاً) أم إلى سقوط الحكومة الحالية. لكن الواضح والأكيد أن بقاء الاحتلال سيغذي بقاء المقاومة.