ما جرى الجمعة الماضية، حدثٌ جَلَل وسابقة خطيرة حين أقدمت دولة العدو على إغلاق بوابات المسجد الأقصى في الوقت الذي لم يُرفع فيه آذان صلاة الجمعة لأول مرة في تاريخ بوابة السماء ومسرى النبي الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
والحدث الاستثنائي له عنوان واحد وهو محاولة لإحداث تغيير تاريخي للوضع القائم، وفي هذا السياق فقد عقدت الهيئة الإسلامية العُليا وخطباء المسجد الأقصى المبارك اجتماعاً أعلنوا في ختامِهِ رفضهم القاطع لهذه الانتهاكات واستعدادهم لمقاومتها بعدم الدخول إلى باحات المسجد للصلاة عبر البوابات الإلكترونية وللاعتصام والصلاة على أبواب المسجد كما جرى أمام بوابة المجلس وبوابة الأسباط، حيث اشتبك المصلّون المرابطون مع قوات العدو التي أغلقت المدينة القديمة بالكامل أمام جموع المصلين الزاحفين إلى قدس الأقداس.
وقد حَذَّرَت إدارة الأوقاف بأن الخطوة التي أقدم عليها العدو بتركيب البوابات الإلكترونية وكاميرات المراقبة على أبواب المسجد الأقصى ليست الأولى في سلسلة الإجراءات المجرمة لمنع المصلين من الوصول إلى قبلة المسلمين الأولى.
في الوقت الذي كان وزير الأمن الداخلي الصهيوني غلعاد أردان، قد قال لإذاعة الجيش: "إن المسجد الأقصى تابع للسيادة الصهيونية"، وأنهم أسياد المكان، وأضاف الوزير المذكور "لسنا بحاجة لتوصيات أو إذن من أحد، وسنقوم بفعل ما نراهُ ضرورياً! ".
ومعلوم أن المملكة الأردنية تُشْرِف بشكل رسمي على الأماكن المقدسة في فلسطين المحتلة عبر دائرة أوقاف القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية.
وفي هذا السياق، فقد كانت دولة العدو وبعد احتلالها في حزيران / يونيو عام 1967 ميلادية وبعد أن دخلها مردخاي غور، قام برفع علم العدو فوق مسجد قبة الصخرة وأغلق المسجد الأقصى لأسبوع كامل؟!
ومعلوم أن مستوطناً صهيونيًا قام في آب / أغسطس عام 1969 ميلادية بحرق منبر صلاح الدين في المسجد الأقصى والذي على ضوئه تأسست منظمة التعاون الإسلامي والتي لم تتحرك اليوم وكذلك جامعة الدول العربية وعلى نحو فاعل لمواجهة تداعيات محاولات فرض البوابات الإلكترونية.
أما في أيلول / سبتمبر عام 1996 ميلادية فقد انطلقت انتفاضة النفق عندما تَجَرَّأ جيش العدو على فتح مَخرج للنفق الغربي قرب بوابة الغوانمة فدارت مواجهات عنيفة على إثر ذلك أسفرت عن استشهاد أكثر من 60 فلسطينياً.
كما اندلعت انتفاضة الأقصى في 28 أيلول / سبتمبر عام 2000 ميلادية حين دَنَّسَ رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون ساحات المسجد المبارك والتي قادت إلى استشهاد وجرح الآلاف. ولم يتوقف العدو عند ذلك بل قام في 30 تشرين الأول عام 2014 بإغلاق المسجد الأقصى بالكامل وفي ذلك اليوم لم يصل إلى المسجد سوى مُديرهُ وسَبعة حُرّاس.
محاولات محمومة ولن تتوقف، ولن يكون آخرها ما يجري اليوم من إجراءات فرض الدخول إلى باحات المسجد الأقصى عبر البوابات الإلكترونية، وتحت رقابة كاميرات الاحتلال.
ولكن الشعب الفلسطيني يملك الرد، وها هم المقدسيون يُحاصرون تلك البوابات الإلكترونية ويرابطون وَيُصلّون أمامها ويستجيبون للدعوات بعدم الدخول عبرها وهي مخالفة فاضحة وواضحة لكل القوانين والأعراف الدولية والشرائع السماوية.
وكما قال مُفتي القدس الشيخ محمد حسين: إن المسجد الأقصى مكان عبادة مُقَدَّس وقد أَكَّدت منظمة اليونيسكو أنه موقع إسلامي خالص، ويضيف المفتي: "إن العدو الصهيوني يُحيل بيت الله وأقدس بقعة إسلامية في فلسطين وباحاته إلى ثكنة عسكرية وسجناً ولن نسمح تحت أي ظرف باستمرار ذلك العدوان الهمجي المنهجي المنظم التي نعلم نواياه الخبيثة من ورائه".
المقدسيون الرجال يزحفون نحو بوابة السماء ويتحرك أهل ضفة القسام ومن كل فلسطين المحتلة ومن المثلث والنقب والجليل، وقرارهم الذي لا رجعة عنه، أن إجراءات العدو الأخيرة وقرارات حكومته في تمرير قانون "القدس موحدة" أو في إغلاق المسجد واستباحة حُرماته وساحاته ومنع رفع الآذان فيه نهايتها قريبة وستكون عواقبها وخيمة على غطرسة القوة لدى تل أبيب وعلى الأمن والسلم في المنطقة بأسرها.