فلسطين أون لاين

دراج محترف: تخلى عن حلم الأولمبياد ليسرق البنوك

...

حي ليبرتيفيل أو "بلدة الحرية" يقع في مدينة شيكاغو، وهو أيضا مسقط رأس توم جستيس الذي تعني كنيته "العدالة".

لكن وللمفارقة فإن لا لقب جستيس ولا اسم موطنه مناسبان للرجل الذي تخلى عن حلمه في المشاركة في الألعاب الأولمبية كسائق دراجة هوائية، ليتحول إلى سرقة البنوك مستخدما دراجته تلك.

منذ طفولته كان توم شغوفا بالدراجات، وقد بدأ تعلقه بها لأول مرة حين كان في سن الـ13، عندما رأى الرياضيين يتجولون بدراجاتهم حول مضمار السباق المحلي.

منذ تلك اللحظة، انكب توم على ركوب الدراجات وكان موهوبا بما يكفي ليتدرب مع فريق الدراجين الأولمبي الأمريكي بعد تخرجه من الكلية.

الواقع الصادم

ولكن كان هناك ثمة شيء مفقودا، وخلال السنوات الست الطويلة التي قضاها توم في الكلية ازداد شغفه بالأفلام، ولا سيما فيلم الممثل الأمريكي بن ستيلر "الواقع الصادم" الذي انتج عام 1994، كان توم مفتونا بشخصية تروي داير )الذي لعب دوره في الفيلم الممثل إيثان هوكس)، إذ كان داير يغير الوظائف التي يعمل بها باستمرار، ويقوده ذلك في نهاية المطاف لأن يصاب بخيبة أمل كبيرة من المجتمع.

يقول توم،"أعتقد، للأسف، أن مشاهدة الفيلم وبالتحديد هذه الشخصية مرارا وتكرارا قد أدت إلى بلورة نظرة مستقبلية لدي".

فجأة بدا لتوم الحلم في أن يصبح لاعبا أولمبيا أمرا صعب المنال يتطلب جهدا كبيرا وعملا شاقا، فما كان منه إلا أن تخلى عن الفكرة وعاد إلى مدينته شيكاغو.

كان توم جستيس يتوق إلى الإثارة والنجاح، لكنه تحول إلى سرقة البنوك بدلاً من ممارسة ركوب الدراجات، فلم تجر رياح الحياة بما تشتهي سفن توم، الذي كان تواقا للإثارة والنجاح.

وبسبب طبيعته الكسولة، رفض النهج البطيء والثابت للعمل بغية تحقيق الهدف المنشود.

بدلاً من ذلك، ذهب إلى نوع مختلف من الأفلام لتمنحه نوعا من الإثارة، وهكذا ألهمه أحد تلك الأفلام.

افتتن توم بفيلم السطو الكلاسيكي "هييت" Heat ، وأوحى له هذا الافتتان بنقلة غريبة من خيال الشاشة الفضية إلى الواقع الإجرامي.

أول سرقة بنك

قام توم بسرقة أول بنك في 23 أكتوبر/ تشرين الثاني 1998، مستخدما دراجته بمهارة الدراجين الأولمبيين، للفرار سريعا بعد السرقة.

وبعد عام، سرق بنكا آخر وتبعه بآخر وتوالت السرقات التي كان ينفذها دوما من دون أن يحمل أي سلاح.

وخوفا من أن يتمكن رجال المباحث من تقفي أثره والوصول إليه، كان توم يحتفظ بالأموال بعيدا في صناديق القمامة أو في أكياس ورقية بنية اللون في الأحياء الفقيرة.

لكن عيش الحياة وكأنك في فيلم سينمائي يجلب الكثير من المتاعب والعواقب الوخيمة.

وبعد سرقة عدد من البنوك، لا بد أن يبدأ السارق بالشعور بالزهو والغرور وتسيطر عليه حالة من الإحساس بالذكاء والتفرد، لكن حينها لا بد أيضا أن يبدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي في ملاحقته.

وبطبيعة الحال، وبينما توم يعيش حالة الإنكار والانفصال عن الواقع تلك، بدأ مكتب التحقيقات الفيدرالي في ربط الأحداث بين سلسلة من عمليات السطو على البنوك التي لم يتم حل لغزها.

حتى أنهم أطلقوا عليه لقب "فتى الجوقة"، في إشارة إلى حركة اعتاد على القيام به في كل سرقة، ألا وهي شبك يديه أمام صدره، (كما يفعل المنشدون في جوقة الكنيسة) بينما كان صرافو البنك يملأون حقيبته بالدولارات.

بدأ عالم توم بالانهيار حين بدأ يفكر باستمرار بأنه قد خذل عائلته، خاصة مع غياب أي طموح حقيقي لديه.

منحت سرقة البنوك توم فترة راحة مؤقتة من خيبة أمله وشعوره بالنقص.

"بينما يمضي الجميع في حياتهم اليومية بصورة طبيعية، كان لدي سر مفاده أنني كنت مميزا لأنني كنت أسرق البنوك في أوقات فراغي، لكن هذا بالذات وضغني في مواجهة الحقيقة، وهي أنه لم يكن لدي عمل حقيقي ولم أتطور في حياتي المهنية".

لم يفكر توم في الضرر الذي كان يتسبب فيه، أو الخوف الذي يبدو على وجوه الموظفين في البنوك، أو حتى عواقب جرائمه.

الكوكايين والمخدرات

سرعان ما تلاشت النشوة التي شعر بها توم جراء عيشه لحياة مزدوجة، وبدأ يحل محلها الشعور بالإحباط وبأنه إنسان بلا هدف. في هذا الوقت تقريبا ذهب إلى حفلة وتعرف هناك على مخدر الكوكايين.

مثلما فقدت سرقة البنوك رونقها والشعور بالتميز الذي كانت تمنحه لتوم، فقد الكوكايين أيضا ذلك التأثير بعد مدة وجيزة، وسرعان ما بدأ توم في اللجوء إلى المال الذي حصل عليه من عمليات السطو للإنفاق على المخدرات.

"فكرتي التي جعلتني أدخل في هذه المغامرة في المقام الأول ذهبت الآن إلى الحضيض، وقد أصبحت مجرد شخص فظيع شائن يسرق البنوك للحصول على المخدرات، لقد كنت أنانيا لأبعد حد".

نفاد الحظ

في مارس/ آذار عام 2002 وفي عملية السطو على البنك الـ26، بدأ حظ توم بالنفاد. لقد رصده رجال الشرطة بينما كان يقود دراجته وسط زحام مروري. أوقفوه وطلبوا تفتيش حقيبته.

نظرا لحرفيته العالية في قيادة الدراجة الهوائية، أسرع توم هربا من الشرطة التي عممت أوصافه في اتصال لاسلكي وبدأت بمطاردته.

بطريقة ما، تمكن توم من التسلل عبر حواجز الطرق والكمائن التي نصبتها الشرطة لتطويقه والقبض عليه، وأثناء هربه لاحظ وجود نهر في أسفل منحدر.

كانت الدراجة التي استخدمها توم جستيس للهروب بعد عمليات السطو على البنوك مميزة جدا ومصممة خصيصا له.

ألقى دراجته في اتجاه وذهب في الاتجاه الآخر، ثم اندفع في النهر وسبح حتى وصل إلى غابة كثيفة اختبأ فيها.

ثم انتظر، حلقت طائرات الهليكوبتر في سماء المنطقة، وانطلقت صفارات الشرطة، حتى أنه كان يسمع جلجلة أطواق الكلاب البوليسية التي كانت تحاول اشتمام أثره.

الاختباء

مكث توم هناك لساعات، وسط حالة من الذعر والضوضاء، لكن كان لديه وقت للتفكير ومراجعة الذات.

"أعتقد أنني كنت قد بدأت في إدراك حقيقة أن هذا ليس بالأمر الجيد، فالشرطة تلاحقني، وبدأت أتساءل، لماذا يلاحقونني؟ ألا يدركون أني فعلت ما فعلت في سياق رحلة البحث عن الذات؟ لا، بالطبع لا يمكنهم ذلك".

"ما كان ينبغي أن يحدث هذا على الإطلاق، لكن الأمر لا يبقى في إطار مجرد البحث عن الذات حالما تبدأ في تعاطي المخدرات. لقد كانت تلك اللحظة بمثابة دعوة لليقظة، تلك اللحظة حين تحاول الشرطة إطلاق النار عليك أو القبض عليك.. كانت هذه هي المرة الأولى التي أدرك فيها أني في وضع سيء للغاية ولا أعرف كيف أُخرج نفسي منه".

بعد الانتظار لحوالي ست ساعات، ساد الهدوء. خرج توم بحذر من مخبأه، وسبح عائدا أدراجه. وعلى الرغم من أنه كان مبتلا وأشعثا، لكنه حر، على الأقل في الوقت الحالي.

دراجة مصممة خصيصا

على الرغم من اختفاء دراجة توم، إلا أن دراجة السباق ذات اللون البرتقالي اللامع المصممة خصيصا، ليست بوسيلة الهروب التي يمكن إخفاؤها.

الآن دراجته باتت في حوزة الشرطة، وأدرك توم أن ما هي إلا مسألة وقت حتى يطرقوا بابه.

بعد بضعة أشهر، كان توم يقود سيارته إلى المنزل عائدا من منزل والديه عندما رأى سيارة شرطة لا تحمل علامات من خلال مرآته الخلفية. تجاهلها واستمر في القيادة. ثم رأى سيارة ثانية، ثم ثالثة، وبدا أنهم كانوا يتبعونه.

اقتحام الشرطة

أوقف توم السيارة ونزل منها ليواجه جدارا من رجال الشرطة، كانت البنادق موجهة إليه.

فقط عندما كان مستلقيا على الأرض ووجهه للأسفل، وسمع صوت طقطقة الأصفاد وشعر بها مشدودة على معصميه، أدرك صعوبة الواقع.

نُقل توم إلى مركز للشرطة حيث تم استجوابه.

اعترف بكل شيء، لكن الجزء الأصعب كان يتمثل في إجراء مكالمة هاتفية لإخبار والديه بأن الشائعات صحيحة؛ لقد تم اعتقاله للتو بتهمة السطو على بنك.

يقول توم إنه شعر بالخزي والعار الشديدين لأن أحباءه اضطروا إلى مواجهة الناس بعد سطوه على البنوك

"شعرت بالخزي والعار، مع العلم أن والدي هم من كان عليهما مواجهة الناس..هم من كان عليهم مواجهة جيراننا وأصدقاءنا، بحقيقة أن ابنهم لص وسارق بنوك، ولهذا شعرت بالخزي الشديد، وما زلت أشعر به حتى اليوم".

الحكم بالسجن

حُكم على توم بالسجن 11 عاما لسرقته 26 بنكا في ثلاث ولايات أمريكية. وقد بلغ إجمالي الأموال المسروقة خلال السنوات الأربع نحو 129 ألف دولار.

لكن توم كان لديه ترقب غريب للانتقال إلى سجن فيدرالي، وكان يقول في قرارة نفسه: "سيكون الأمر رائعا سأكون أخيرا مع أناس مثلي، مع أشخاص لديهم نفس العقلية".

يقول توم إن الذهاب إلى السجن قد قلب حياته رأسا على عقب لكن عندما وصل هناك وجد الواقع مخالفا لتوقعاته.

سرعان ما اكتشف توم أنه لم يكن فريدا كما كان يعتقد - فالعديد من لصوص البنوك يتخلون عن مكاسبهم.

وبعد إلقاء القبض عليه أيضا، واجه توم أخيرا التأثير الضار لسلوكه على الآخرين.

عند قراءة شهادات الضحايا بدأ يدرك التأثير السيء لأفعاله، لقد أصيب الناس بصدمة شديدة بسبب عمليات السطو التي قام بها. كان صرافو البنوك يخشون على حياتهم.

"شعرت بالخجل حقا حيال ذلك.. شعرت بالذنب، لكنني لم أفكر مطلقا في وجهة نظرهم قبل ذلك".

منذ تلك اللحظة لم يتوقف توم مطلقا عن التفكير في تأثير أفعاله. بالنسبة له، فقد بدأ بالسطو كوسيلة لإحداث ضجة يمكن لعدد قليل من الناس إحداثها، مدفوعا برغبة في الإحساس بالذكاء والتفوق والإثارة.

"نهاية مروعة لما بدا ممتعا في البداية"

"أعتقد أنني بدأت في سرقة البنوك ظنا مني أنه سيكون أمرا ممتعا، وانتهى بي الأمر إلى شيء مروع ورهيب.. لهذا السبب أدرك الآن أنه لا ينبغي سرقة البنوك".

بعد إطلاق سراحه من السجن في عام 2011، يعمل توم حاليا في قطاع الرعاية وينسب الفضل في تغيير مسار حياته للسجن.

"لقد نضجت في السجن ...وسار الأمر بشكل جيد، فقد تغيرت حياتي للأفضل، لذلك أشعر بامتنان كبير لما آلت إليه الأمور".

المصدر / وكالات