فلسطين أون لاين

حماس واتصالات الوسطاء

تلقت حركة حماس عشرات الاتصالات خلال الأيام الماضية من المسؤولين المصريين، والقطريين، والأتراك، والأمم المتحدة، إضافة إلى العديد من الدول الأوروبية والتي أجرت اتصالات بصورة غير مباشرة مع الحركة، فيما بادرت الحركة بالاتصال بالعديد من الأطراف الأخرى للجم الاحتلال ووقف اعتداءاته في مدينة القدس، وبينت موقفها مما يجري، وأبلغت الأطراف بأنه اذا لم تتمكن هذه الاتصالات من إنهاء استفزازات وعدوان الاحتلال في مدينة القدس فإن جميع اشكال المقاومة ستكون متاحة ومشروعة للرد على هذه الاستفزازات، والدفاع عن المسجد الأقصى ومدينة القدس بكل قوة، مهما كانت النتائج.

هذه الاتصالات ساهمت بشكل كبير في تراجع الاحتلال و"عززت" من موقع حركة حماس لاعتبارات مختلفة أبرزها: أن حماس ظهرت القوة الأبرز والأكثر حيوية وفاعلية في الساحة الفلسطينية وأنها الاقدر على التأثير فيما يجري في الأراضي الفلسطينية تحديدا في القدس والاقصى؛ لأنها كانت الأكثر حضورًا في المشهد ويمكن قراءة هذا الحضور من عدة زوايا: 1_حضور وزخم وتأييد شعبي من قلب القدس والأقصى،2_حضور من خلال الفعل السياسي والدبلوماسي حيث إن الاتصالات تركزت مع قيادة حماس، 3_الحضور الإعلامي فالماكينة الإعلامية للحركة استطاعت أن تؤثر بشكل كبير فيما يجري في القدس، 4_ وهو الأهم الفعل العسكري لأنها لوحت مرارا باستخدام القوة من أجل القدس والأقصى وقد استخدمتها العام الماضي في معركة "سيف القدس" وردعت من خلالها العدو.

حجم الاتصالات الكبير الذي ورد الحركة كان يظهر (مدى ارتباك العدو) وخشيته من قيام حماس بإطلاق الصواريخ ردا على ما يجري في القدس والاقصى وبالتالي: الدخول في مواجهة كما العام الماضي هذا من جانب، ومن جانب آخر أظهر هشاشة وضعف موقف السلطة وفقدانها أي تأثير فيما يجري، وأكثر من ذلك في أن قبول مختلف الأطراف بإجراء الاتصالات  مع الحركة يعني أن حماس تتربع في صدارة المشهد، وأنه من الضروري عدم تجاوزها، والتفاهم معها حول ما يجري في المدينة المقدسة، بل فيما يجري في الساحة الفلسطينية برمتها؛ لأنه وبكل وضوح أيقن هؤلاء أن اللقاءات التي عقدت مع رئيس السلطة قبيل شهر رمضان وتبعها لقاءات على مستوى وزراء الخارجية كانت (بروتوكولية) فاقدة التأثير ولم تحقق أي نتائج تذكر، وأنه كان من المفترض أن يبدأ الحديث مع الأطراف الفاعلة في الساحة الفلسطينية وفي مقدمتها حماس؛ لذلك تزاحمت هذه الاتصالات في وقت الذروة قبل انفجار المشهد برمته.

ما جرى هو تطور مهم ولافت يمكن البناء عليه خصوصا أن حركة حماس فرضت (الربط الاوتوماتيكي) بين القدس وغزة قبل نحو عام من خلال معركة سيف القدس عبر معادلة جديدة فرضتها بالصواريخ والتي أفرزت هذا التغير في واقع القدس، وهذا ما دفع الاحتلال للرضوخ والتحرك سريعا لخفض مستوى التوتر ومنع أسباب التصعيد وقد تمثل ذلك في كثير من الخطوات منها: 1_ منع ذبح القرابين، 2_ ومنع وصول مسيرة الإعلام للأقصى، 3_وفرض قيود إضافية على أنشطة بن غفير، والإعلان بشكل رسمي أنه غير معني بالتصعيد وأنه يحترم ممارسة الشعائر الدينية، 4_وإطلاق سراح معظم المعتقلين في الأقصى، وغيرها من الخطوات، الأمر الذي عده كلا من: الأحزاب المعارضة، والمستوطنين المتطرفين، ومختلف الجهات الاعلامية داخل الكيان بأنه هزيمة وتراجع من الحكومة أمام شروط حركة حماس، وأكثر من ذلك في وصف ما جرى بأن حماس تنتصر في القدس بدون أي طلقة، واخرون اعتبروا أنها سيطرت على المدينة المقدسة بشكل غير مسبوق.

وبلا أدنى شك فإن ثلاث جهات تشعر بالقلق الشديد مما يجري ولا ترغب في بقاء هذه المعادلة وتغضب من هذا التقدم والحضور لحركة حماس في المشهد السياسي والميداني وقد تمثلت هذه الأطراف في: الاحتلال، السلطة الفلسطينية، بعض الانظمة العربية، لإدراكهم لخطورة انعكاسات ذلك على المجتمع الفلسطيني والعربي، وتداعيات هذه التطور على الامن الاسرائيلي، ومستقبل السلطة، ولما يخلقه من تهديد على بعض الانظمة التي تربطها علاقات تطبيعية مع الاحتلال في ظل رفض شعوبها للتقارب مع العدو، لكن هذا القلق سيترجم لبرامج عمل وخطط استراتيجية تسعى لدعم السلطة الفلسطينية ومحاولة تعزيز حضورها وفي ذات الوقت تنفيذ الكثير من الخطوات لتقويض دور المقاومة والتضييق على حركة حماس.

 ولا أعتقد أن ذلك سيكون له فاعلية في ظل احتضان الجماهير للحركة، وثباتها على مواقفها، وعدم تخليها عن مبادئ وثوابت شعبنا، واستعدادها للتضحية، وقدرتها على تحقيق الردع، في ظل انهيار المشروع السياسي للسلطة وانفضاض الجماهير من حولها، وبالتالي: فإنه وباستشراف بسيط لما جرى ويمكن أن يجري مستقبلا فإن مشروع المقاومة في فلسطين يتعاظم ويمتد في كل الأرض الفلسطينية، وحضور حركة حماس في مختلف الساحات أقوى من أي وقت مضى، وحماس اليوم قادرة على قيادة المشروع الوطني ومعها مختلف المكونات الوطنية، أما مشاريع السلام الموهوم فهي اخذة في الانحسار، وكل الخطوات التطبيعية ستكون وبالا على أصحابها فلا هي ستحقق لهم الامن ولا الازدهار، وستجعل أصحابها أكثر عزلة أمام شعوبهم، بل أكثر انكشافا أمام أمة بدأت تهتف بصوت عال لرموز المقاومة من قلب العواصم العربية والإسلامية، بل وتطالب بضرورة حشد الطاقات لكنس الاحتلال وتحرير فلسطين.